للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اعلم أن مسألة الكتاب، وهي إذا باع عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما نظير دليل الخصوص بدليل الخصوص (١) يشبه الناسخ من حيث الصيغة على معنى أن الخيار لا يمنع دخولهما تحت الإيجاب، ويشبه الاستثناء من حيث الحكم على معنى أن الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم، فلشبهه بالناسخ إذا عين الذي فيه الخيار بين الثمن يجوز لدخوله تحت الإيجاب، بخلاف الحر أو الميتة؛ فإنه لا يدخل في الإيجاب، فيفسد البيع هناك، فصل الثمن أو لم يفصل، ولشبهه بالاستثناء إذا لم يعين الذي فيه الخيار، أو لم يفصل الثمن لا يجوز، وأما الذي يشبه الناسخ في البيع من كل وجه ما إذا باع عبدين فمات أحدهما قبل التسليم، أو استحق، أو وجد مدبراً، والذي يشبه الاستثناء فيه من كل وجه ما إذا أضيف البيع إلى حر وعبد بثمن واحد، أو أضيف البيع إلى حي وميت على ما هو المعروف في أصول/ الفقه (٢).

[[من اشترى ثوبين بالخيار في أحدهما]]

ومن اشترى ثوبين (٣) على أن يأخذ أيهما شاء هذا (٤) من قبيل اطلاق اسم الكل على البعض مجازاً (٥)؛ لأن المشتري اشترى أحد الثوبين، لا الثوبين، على ما يذكر في الكتاب، فكان هذا نظير قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} (٦) أضاف الخروج إليهما، وإن كان من أحدهما (٧)، وكذا هنا. وذكر فخر الإسلام (٨) - رحمه الله - وإنما قال: اشترى ثوبين وإن اشترى أحدهما مجازاً؛ لاحتمال أن يكون كل واحد منهما هو المبيع، والقياس أن يفسد البيع في الكل؛ لجهالة المبيع، كما لو قال: بعت منك أحد هذين الثوبين، ولم يذكر الخيار، وكما لو كانت الثياب أربعة، وذكر الخيار أو لم يذكر، "فإن المبيع أحد الثياب، وهي متفاوتة في نفسها، وجهالة المبيع فيما يتفاوت يمنع صحة العقد. ألا ترى أنه لو لم يسم لكل ثوب ثمنه (٩) كان العقد فاسداً؛ لجهالة المبيع، وكذلك لو لم يشترط الخيار لنفسه كان العقد فاسداً بجهالة المبيع، فكذلك إذا شرط الخيار؛ لأن شرط الخيار يزيد في معني الغرر، ولا يزيله، ووجه الاستحسان أن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأنه شَرَطَ الخيار لنفسه، ويحكم خياره يستبدُّ (١٠) بالتعين (١١)، والجهالة لا تفضي إلى المنازعة، فلا يمنع صحة العقد، كما لو اشترى قفيزاً من الصبرة، بخلاف ما إذا لم يشرط الخيار لنفسه، فالجهالة هناك تفضي إلى المنازعة، وبخلاف ما إذا لم يسمِّ لكل ثوب ثمناً؛ لأن هناك ثمناً ما يتناوله العقد مجهولاً، فإنما فسد العقد بجهالة الثمن، ثم الجهالة التي يمكن بسبب [عدم تعين المبيع معتبرة بالغرر الذي يتمكن بسبب] (١٢) شرط الخيار، وذلك يحتمل في الثلاث وما دونه، ولا يحتمل في الزيادة على ذلك، فكذلك هذا اعتبار للمحل (١٣) بالزمان؛ وهذا لأن احتمال هذه الجهالة (١٤) لأجل الحاجة، وهي متحققه في (١٥) المحل حسب تحققها في الزمان، على ما ذكر في الكتاب" (١٦)، كذا في المبسوط.


(١) قال السرخسي: "إن دليل الخصوص بمنْزلة الاستثناء في حق الحكم، وبمنْزلة الناسخ باعتبار الصيغة؛ لأن بدليل الخصوص يتبين بأن المراد إثبات الحكم فيما وراء المخصوص، لا أن يكون المراد رفع الحكم عن الموضع المخصوص بعد أن كان ثابتاً". أصول السرخسي (١/ ١٤٨).
(٢) ينظر: أصول السرخسي (١/ ١٥٠)، كشف الأسرار (١/ ٣١٠).
(٣) قال في المحيط: "وقد اختلف ألفاظ الفسخ في هذه المسألة: وقع في بعضها اشترى شيئين، ووقع في بعضها اشترى أحد الشيئين وهو الصواب" المحيط البرهاني (٦/ ٥١٢).
(٤) سقط من (ج).
(٥) قال الزركشي: "فمقتضى كلام الإمام الرازي أن أولاها إطلاق الكل على البعض؛ لأنه جعل التخصيص جزءاً من المجاز، والتخصيص من المجاز هو كذلك" كشف الأسرار (٢/ ٢٧)، البحر المحيط في أصول الفقه (٣/ ١٣٣).
(٦) [الرحمن: ٢٢].
(٧) {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}، المرجان صغار اللؤلؤ واحدتها مرجانة، وإنما يخرج اللؤلؤ من أحدهما فخرج مخرج: أكلت خبزاً ولبناً. مجاز القرآن (٢/ ٢٤٤).
(٨) سبق ترجمته ص ١١٨.
(٩) "ثمنا" في (ب).
(١٠) "فسد" في (ب).
(١١) "المعنى" في (ب).
(١٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(١٣) سقط من (ب).
(١٤) سقطتا من (ب).
(١٥) "من" في (ب).
(١٦) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٥٥).