للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نَظَر المُخنَّث إلى الأجنبية]

(وكذا الْمُخَنَّثُ في الرَّدِيء من الأفعال) (١) قيد بالرَّدِيء من الأفعال؛ وهو أن يُمَكِّنُ غيرَهُ مِن نَفْسِه؛ احترازًا عن الْمُخَنَّث الذي في أعضائه لين وفي لسانه تَكَسُّرٌ بأصل الخلقة ولا يشتهي النساء، ولا يكون مُخَنَّثاً في الرديء من الأفعال، فإنّه قد رخَّصَ بعضُ مشائخنا في ترك مِثْلِهِ مع النساء؛ استدلالاً بقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر ِأُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} (٢) قيل: هو المخنَّث الذي لا يشتهي النساء، وقيل: هو المجبوب الذي جفّ ماؤه، وقيل: المراد منه الأَبْلَهُ الذي لا يدري ما يصنع بالنساء إنما [هَمُّهُ] (٣) بطنُه (٤).

وفي هذا كلام أيضاً فإنّه إذا كان شاباً يُنَحَّى عن النساء، وإنّما ذلك إذا كان شيخًا كبيرًا قد ماتت شهوته فحينئذ يرخّص في ذلك، والأصحّ أن يقول: قوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ} / من المتشابه، وقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (٥) مُحْكَم، فنأخذُ بالْمُحْكَم فنقول: كلّ من كان من الرجال لا يحلّ لها أن تُبْدِي موضع الزينة الباطنة بين يديه، ولا يحلّ له أن ينظر إليها إلا أن يكون صغيراً، فحينئذ لا بأس بذلك، كذا في "الذّخيرة" (٦).

(يؤخذ فيه بمُحْكَم كتاب الله المُنْزَل فيه) (٧) وهو قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (٨).

(والطّفل الصغير مُستَثْنَى بالنصّ) (٩) وهو قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (١٠).

وقد رُوِيَ أنه كان في بيت أم سلمة رضي الله عنها مُخَنَّثٌ فلما حاصر رسول الله -عليه السلام- الطائف قال لعُمَر (١١) بن أمِّ سَلَمَة: إذا فتح الله علينا الطائف دلَلْتُكَ على ابنةَ غَيْلَانَ فإنّها تُقْبِلُ بأربعٍ وتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فقال -عليه السلام-: «أَوَهَذَا يَعْرِفُ هَذَا؟ لَا يَدْخُلْ عَلَيْكُنَّ» (١٢)، كذا في "الإيضاح" (١٣).


(١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٩٤).
(٢) سورة النور الآية (٣١).
(٣) في (أ): (هِمَّتُهُ).
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٣٤ - ٣٥).
(٥) سورة النور الآية (٣٠).
(٦) يُنظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٣٥)، المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٥٨)، البناية شرح الهداية (١٢/ ١٦٥).
(٧) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٩٤).
(٨) سورة النور الآية (٣٠).
(٩) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٩٤).
(١٠) سورة النور الآية (٣١).
(١١) الذي في الصحيح أنَّه عبدالله بن أُمَيَّة أخِ أُم سلمة.
(١٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٧/ ١٥٩) كتاب (اللباس) باب (إخراج الْمُتَشَبِّهِين بِالنِّساء مِن البُيُوت) برقم (٥٨٨٧) بِسَنَدِه: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّ عُرْوَةَ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ عِنْدَهَا وَفِي البَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمْ غَدًا الطَّائِفَ، فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: (تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ، يَعْنِي أَرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِهَا، فَهِيَ تُقْبِلُ بِهِنَّ، وَقَوْلُهُ: وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، يَعْنِي أَطْرَافَ هَذِهِ العُكَنِ الأَرْبَعِ، لِأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ، وَإِنَّمَا قَالَ بِثَمَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ، وَوَاحِدُ الأَطْرَافِ، وَهُوَ ذَكَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ).
(١٣) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٢/ ١٦٥).