للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولهما: إن في نجاسة البئر فيما مضى شكًّا قلنا: زال هذا الشك بيقين النجاسة في الحال فوجب اعتباره، والقول بالاحتياط فيه فيما مضى، وإن كانت غير منتفخة يعيد صلاة يوم وليلة عنده؛ لأن أقل المقادير في باب الصلاة يوم وليلة فقدرناه به احتياطًا والله أعلم.

فصل في الآسآر وغيرها (١)

لما ذكر أحكام ماء البئر للمناسبة التي ذكرناها بما قبله، فكانت تلك الأحكام مبنية على وقوع أنفس الحيوانات، فيها وهي كلها استدعى ذلك ذكر الأحكام المتعلقة بجزئها وهو السؤر؛ إذ الجزء أبدًا يتبع الكل.

السؤر: بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء ثم عمَّ استعماله فيه وفي الطعام (٢)، والجمع الآسآر، والفعل منه أسأر، أي: أبقى مما شرب، والنعت من سأر على غير قياس؛ لأن قياسه سئر ونظيره أخيره فهو خيار (٣).

وذكر في «شرح الطحاوي» (٤): الآسآر على خمسة: سؤر طاهر متفق على طهارته، وسؤر نجس متفق على نجاسته، وسؤر مكروه، وسؤر مشكوك، وسؤر مختلف فيه، وهو سؤر سباع الوحوش سوى الكلب والخنزير، كالأسد والذئب والفهد وغيرها نجس عندنا، خلافًا للشافعي-رحمه الله- (٥).

(وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ)

-قوله: (وعرق كل شيء معتبر بسؤره) فإن قلت: كان من حق الكلام [أن يقول] (٦): وسؤر كل شيء معتبر بعرقه؛ لأن الكلام في السؤر لا في العرق فيجب أن يجعل السؤر مقيسًا لا مقيسًا عليه.


(١) الآسار: جمع سؤر، وهو بقية طعام الحيوان وشرابه، ويعم بقية كل شيء، ومراد الفقهاء بالسؤر: اللعاب ورطوبة الفم، انظر: المطلع ص (٤٠)، لسان العرب (٤/ ٣٣٩) مادة [سأر]. تهذيب الأسماء واللغات (٣/ ١٤٠).
(٢) المغرب (١/ ٢١٥) مادة [س أ ر].
(٣) الصحاح (٢/ ٦٧٥) مادة [س أ ر].
(٤) انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (١/ ٢١)، باب سور الهر.
(٥) انظر: في مذاهب الأحناف: المبسوط (١/ ٤٨)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٩)، البناية في شرح الهداية (١/ ٤٣١). ومذهب الشافعية: أنه إذا ولغ الكلب في إناء، فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، وهو أيضًا مذهب الحنابلة، انظر: الأم (١/ ٣٩)، روضة الطالبين (١/ ٣٢)، حاشية القليوبي وعميرة (١/ ٦٩)، الإقناع (١/ ٣٨) المغني (١/ ٣٤)، المقنع ص (١٩)، كشاف القناع (١/ ١٨٢).
(٦) ساقط من (ب).