للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: نعم كذلك إلا أنهما لما كانا متولدين من أصل واحد لا مفاضلة لأحدهما على الآخر، كان كل واحد منهما [بنسبة] (١) الآخر مقيسًا ومقيسًا عليه، وذكر في «الإيضاح» (٢) هكذا فاتبعه صاحب «الهداية» (٣) فيه.

فإن قلت: هذا الذي ذكره من الأصل ينتقض بعرق الحمار فإنه مخالف بسؤره، فإن عرقه طاهر غير مشكوك [وسؤره مشكوك] (٤).

قلت: الأصل يقتضي أن يكون الأمر على ما ذكره إلا أنه خص ذلك بالنص، وهو ركوب النبي-عليه السلام- الحمار معروريا (٥)، فلم يُعمل العلة عند وجود النص لفقدان شرط عملها، أو نقول: الأصل مستمر على ما ذكره غير منقوض بما ذكرت؛ لأن الشك في طهوريته لا في طهارته [لما عرف] (٦).

(لأنَّهُمَا)

قوله: (لأنهما) أي: اللعاب والعرق، ذكر ضمير اللعاب وإن لم يذكر اللعاب قبله لما أن السؤر هو ما خالطه اللعاب، فكان ذكر السؤر ذكرًا له، فصلح [لذلك] (٧) ضميره كقوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: ٤٥] كان ذكر الناس ذكرًا للأرض؛ لأن الناس على وجه الأرض فصلح [لذلك] (٨) ضميرهما.

(وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) (طَاهِرٌ) (؛ لأنَّ الْمُخْتَلِطَ بِهِ اللُّعَابُ) وَقَدْ تَوَلَّدَ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ طَاهِرًا، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْكَافِرُ.

-قوله: (وسؤر الآدمي طاهر) لما روي أن النبي -عليه السلام- أتي بعس (٩) من لبن فشرب بعضه، وناول الباقي أعرابيًّا كان عن يمينه فشربه، ثم ناوله أبا بكر -رضي الله عنه- فشربه (١٠).


(١) في (ب): «نسبة».
(٢) الإيضاح للكرماني (ت ٥٤٤ هـ) وهو مخطوط لم يطبع.
(٣) الهداية (١/ ٥٤) فصل في الآسار وغيرها.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) يريد أنه قد ركب حرارة الحْصَى وهو ينزو من شدِّة. غريب الحديث لابن قتيبة (١/ ٦١٠).
(٦) ساقط من (ب).
(٧) في (أ): «لذكر» والتثبت من (ب).
(٨) في (أ): «لذكر» والتثبت من (ب).
(٩) هو: القَدحُ العظيم، والجمع عِسَاسٌ. انظر: المغرب في ترتيب المعرب (١/ ٣١٥) مادة [ع س س] والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير (٢/ ٤٠٩) مادة [ع س س].
(١٠) أصل هذا الحديث في صحيح البخاري، عن أبي حازم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- «أَصَابَنِى جَهْدٌ شَدِيدٌ فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَدَخَلَ دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَىَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَخَرَرْتُ لِوَجْهِى مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ عَلَى رَأْسِى فَقَالَ «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ». فَقُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. فَأَخَذَ بِيَدِى فَأَقَامَنِى، وَعَرَفَ الَّذِى بِى، فَانْطَلَقَ بِى إِلَى رَحْلِهِ، فَأَمَرَ لِى بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ «عُدْ يَا أَبَا هِرٍّ». فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ «عُدْ». فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِى فَصَارَ كَالْقِدْحِ - قَالَ - فَلَقِيتُ عُمَرَ وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِى كَانَ مِنْ أَمْرِى وَقُلْتُ لَهُ تَوَلَّى اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ وَلأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ. قَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لأَنْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِى مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ». رواه البخاري في صحيحه (٥/ ٢٠٥٥) ٧٣ - كتاب الأطعمة.