للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التمتع والقران للمكي]

وقوله ذلك إشارة إلى التمتع عند أبي حنيفة، وأصحابه -رحمهم الله- فإنه لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عندهم، ومن تمتع منهم أو قرن كان عليه دم، وهو دم جناية لا يأكل منه، وأما القارن، والمتمتع من أهل الآفاق، فدمهما دم نسك يأكلان منه، وعند الشافعي (١) -رحمه الله- إشارة إلى الحكم الذي هو وجوب الهدي أو (٢) الصيام، ولم يوجب عليه شيئاً، وحاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت، فمن دونها إلى مكة عند أبي حنيفة -رحمه الله- وعنده أهل الحرم، ومن كان من الحرم على مسافة لا يقصر فيها الصلاة.

وفي «الأسرار» (٣) احتج الشافعي (٤) بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى … الْحَجِّ} (٥) من غير تفصيل، وقوله تعالى: {ذَلِكَ} (٦) كناية عن الهدي لأنه كناية عن فرد، فينصرف (٧) إلى الأقرب، وهو الهدي، ولأن الله تعالى شرع القران والمتعة إبانة لنسخ ما كان عليه

أهل الجاهلية من غير تفصيل، وقوله تعالى {ذَلِكَ} (٨) كناية عن الهدي؛ لأنه كناية عن فرد فينصرف إلى الأقرب وهو الهدي، ولأن الله تعالى شرع القران، والمتعة إلى في تحريمهم العمرة في أشهر الحجّ، والنسخ ثبت في حق الناس كافة إلا أنه لا دم على المكّي لما أن هذا الدم دم جبر عندي لتمكن نقصان فيه لسقوط إحدى السفرتين من (٩) نفسه، فلزمه الدم جبراً، وهذا لا يتحقق في حق المكي؛ لأنه لا سفر عليه.

ولنا قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (١٠)، وذلك كناية مبهمة يصلح كناية من المفرد والجماعة.

قال الله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ} (١١)، أي: بينهما، وإذا كان كذلك انصرف إلى الكل حتى يقوم دليل الخصوص، ولأنه قال لمن لم يكن أهله، ولو أريد به الدم لقيل: على من؛ لأن (١٢) نفس القران مشروع لنا أن شئنا، [فعلناه] (١٣)، والدم بعد الشروع علينا لا اختيار لنا فيه، وأما المعنى، فإن المكي عندنا من أهل القران، والمتعة أيضًا لكن للمتعة شرط لا يوجد من الذي داره بمكة كما للجمعة شرطٌ لا يوجد في قرية أهلها أقل من أربعين رجلًا بخلاف سائر الصلوات، فشروط العبادات تختلف، فتوجد في بعض البقاع دون البعض، ولا متعة عندنا، ولا قران لمن كان وراء الميقات على معنى أن الدم لا يجب نُسكًا، أما المتمتع فلأنه لا يتصور متمتعًا للإلمام الذي [لا] (١٤) يوجد منه بينهما، وأما القران فيكره، ويلزمه الرفض؛ لأن القران أصله أن يشرع القارن في الإحرامين معًا، والشروع معًا من أهل مكة لا يتصور إلا بخلل في أحدهما؛ لأنه إن جمع بينهما في الحرم كان أخل بشرط إحرام العمرة، فإن ميقاته الحل، وإن أحرم بهما من الحل، فقد أخل بميقات الحجّة؛ لأن ميقاتها الحرم، فلما كان الأصل في القران الشروع فيهما جميعًا معًا، والأصل في الساكنين وراء الميقات أهل مكة لم يشرع القران في حقهم، فكذلك في الساكنين وراء الميقات تبعًا فلذلك خص بهما من لم يكن حاضري المسجد الحرام لوجود شرط الجواز في حقهم.


(١) انظر: النووي في "المجموع" (٨/ ٤١٩).
(٢) في (ب): و.
(٣) ا انظر: لأسرار (١٢٩).
(٤) انظر: المجموع (٧/ ١٨٤)، مغني المحتاج (٢/ ٢٨٨).
(٥) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٦) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٧) ساقطة من (ب).
(٨) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٩) في (ب): عن.
(١٠) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(١١) سورة البقرة من الآية (٦٨).
(١٢) في (ب): فإن.
(١٣) أثبته من (ب) وفي (أ) فقلناه، ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(١٤) أثبته من (ب).