للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط المزارعة: بيان من عليه البذور]

وفي «المبسوط»: والمنفعة لا يعلم مقدارها إلا ببيان المدة، فكانت المدة معيارًا للمنفعة بمنزلة الكيل والوزن، وهذا بخلاف المضاربة، فإن هناك بالتصرف بالمال لا يصير مستهلكًا، فلا حاجة إلى إثبات صفة اللزوم لذلك العقد، وهنا البذر يصير مستهلكًا بالإلقاء في الأرض فينا (١) حاجة إلى القول بلزوم هذا العقد لدفع الضرر من الجانبين، ولا يكون ذلك إلا بعد إعلام المعقود عليه من الثاني، وإعلام للمعقود عليه وهو منافع الأرض، أي: إذا كان البذر من قبل العامل، أو منافع العامل، أي: إذا كان من قبل رب الأرض، وبه صرح في «المبسوط» (٢).

فلابد من بيان المعقود عليه وجهًا له من البذر من قبله يؤدي إلى المنازعة بينهما، ثم إن كان البذر من قبل [رب] (٣) الأرض، فهو مستأجر للعامل، وإذا كان من قبل العامل فهو مستأجر للأرض، فلابد من بيانه، وهذا إذا لم يذكر لفظًا يدل على أن البذر من قبل مَن هو؟ وأما إذا ذكر لفظًا يدل عليه، فذلك يكفي، فقد ذكر ابن رستم (٤) عن محمد أنَّ من قال لغيره: آجرتك أرضي هذه سنة بالنصف. أو قال: [بالثلث. يجوز، والبذر على المزارع؛ لأن الأجرة تكون على المستأجر، فهذا بيان أن البذر على المزارع، ولو قال:] (٥) استأجرتك لتزرع أرضي هذه بالثلث، فهذا جائز، والبذر على رب الأرض، أما لو قال: دفعت أرضي إليك مزارعة بالثلث لا يجوز، إذ ليس فيه بيان من عليه البذر، وحُكي عن بعض مشايخ بلخ: أن بيان من عليه البذر إنما يشترط في موضع ليس فيه عرف ظاهر أن البذر على من يكون؟ أو كان العرف مشتركًا؛ أما في كل موضع كان فيه عرف ظاهر أن البذر على من يكون؟ لا يشترط بيان من عليه البذر؛ لأن المعروف كالمشروط. كذا في «الذخيرة» (٦)، فما يقطع هذه الشركة كان مفسدًا للعقد؛ لأنه إذا شرط فيها ما يقطع الشركة في الخارج تبقى إجارة محضة، والقياس يأبى جواز الإجارة المحضة بأجر معدوم.


(١) في (ع): «فيه».
(٢) ينظر: المبسوط: ٢٣/ ١٩.
(٣) زيادة من: (ع).
(٤) هو: إبراهيم بن رستم، أبو بكر المروزي، من (مَرْو) الشاهجان، فقيه حنفي من أصحاب محمد بن الحسن، أخذ عن محمد وغيره من أصحاب أبي حنيفة، وسمع من مالك والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم، وعرض المأمون عليه القضاء فامتنع، وثقه بعض أهل الحديث، وقال بعضهم: منكر الحديث، من تصانيفه: «النوادر»، كتبها عن محمد. ينظر: الجواهر المضية: ١/ ٣٨، الفوائد البهية: ص ٩.
(٥) ساقطة من: (ع).
(٦) ينظر: تبيين الحقائق: ٥/ ٢٧٩، البناية: ١١/ ٤٨٣.