للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[شبهة الشركة في الماء المحرز في الأواني، تمنع حد السرقة]]

وذكر في "شرح الطّحاوي": وأمّا النّار فإنّه إذا أوقد رجل ناراً أو سراجاً فليس له أن يمنع أحداً من الاستضاءة بضوءه والاصطلاء بناره (١).

(إلا أنّه بقيت فيه شبهة الشركة؛ نظراً إلى الدّليل، وهو ما رويناه) (٢) وهو قولُه -عليه السلام-: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ» (حتى لو سرقه إنسان) (٣) (لم تقطع يده) (٤) (٥).

فإن قلتَ: [فبهذا] (٦) الاعتبار ينبغي أن لا يقطع في الأشياء كلّها؛ لأنّ قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا} (٧) يورث شبهة بهذا الطّريق.

قلتُ: ليس هذا نظير ذلك؛ لأنّ الذي نحن فيه تخصيص للشّركة في [الأشياء] (٨) المخصوصة بعد ثبوت الشّركة عمومًا في تلك الآية، فلو لم يعمل بمعنى الشركة في العموم لم يلزم عدم الإعمال في خصوص الشّركة.

ألا [ترى] (٩) أنّ عموم قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا} لم يورث شبهة في سقوط حدّ الزنا فإنّه لو زنى بِأَمَةِ الغير يجب حدّ الزّنا، وأورثت الشّركة الخاصّة شبهة في سقوط الحدّ حتّى لو زنا بِأَمَةٍ مشتركة بينه وبين غيره لم يجب الحدّ؛ وذلك لأنّا لو عملنا بعموم قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا} يلزم انسداد أبواب الحدود، كلّها ويبطل العمل بالآيات التي لا تحتمل إلا وجهًا واحدًا من نحو قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} (١٠) وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} (١١) وهو لا يصحّ؛ لأنّ العمل [بخبر] (١٢) الواحد وهو {قوله} (١٣) -عليه السلام-: «ادْرَءُوْا الْحُدُوْدَ بِالشُّبُهَاتِ» (١٤) إنّما {يصحّ} (١٥) أن لو بقي الكتاب معمولاً عند العمل بخبر الواحد وإلا فلا، وههنا لو عملنا بعموم قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا} (١٦) [إعمالاً] (١٧) للشبهة الثّانية [بالحديث] (١٨) يبطل خاص الكتاب فلا يصحّ ذلك (١٩).


(١) يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (٣/ ٧٢)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٦/ ١٩٣)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٣٩).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٢٠).
(٣) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٤) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢٣/ ١٦٥)، الاختيار لتعليل المختار (٣/ ٧١)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٤٠).
(٦) في (ب): (فهذا).
(٧) سورة البقرة الآية (٢٩).
(٨) في (ب): (الأسباب).
(٩) في (أ) (يُرى).
(١٠) سورة النور الآية (٢).
(١١) سورة المائدة الآية (٣٨).
(١٢) في (أ): (نحو).
(١٣) سقطت من (أ).
(١٤) قال الزيلعي: غريب بهذا اللفظ. يُنْظَر: نصب الراية للزيلعي (٣/ ٣٣٣).
- وأخرج الترمذي (٤/ ٣٣) أبواب (الحدود) باب (ما جاء في درء الحدود) برقم (١٤٢٤) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ أَبُو عَمْرٍو البَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ادْرَءُوا الحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي العَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي العُقُوبَةِ»، قال الترمذي: حديث عائشة لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث محمد بن ربيعة، عن يزيد بن زياد الدمشقي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواه وكيع، عن يزيد بن زياد نحوه، ولم يرفعه ورواية وكيع أصح، وقد رُوِي نحو هذا عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم قالوا مثل ذلك ويزيد بن زياد الدمشقي ضعيف في الحديث.
- وقال البيهقي: وفيه ضعف ورواية وكيع أقرب إلى الصواب. يُنْظَر: السنن الكبرى للبيهقي (٨/ ٤٠١٣).
- وضعَّفَ الألباني المرفوع. يُنْظَر: إرواء الغليل للألباني (٨/ ٢٥).
(١٥) سقطت من (ب).
(١٦) سورة البقرة الآية (٢٩).
(١٧) في (أ): (عمالاً).
(١٨) في (ب): (للحديث).
(١٩) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٠/ ٨٠)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٣١٨)، تكملة فتح القدير لابن الهمام (١٠/ ٨٠).