للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَابُ الحَجِّ عَن الغيرِ

لما فرغ من ذكر الحجّ لنفسه، وهو الأصل لما أن التصرفات الصادرة عن المنصرف شرعًا محمولة على أنه تصرف لنفسه؛ لأنه هو الأصل لا لغيره؛ شرع في بيان الحجّ لأجل الغير؛ لأنه كالتابع له.

[مسألة: ثواب الحج هل يقع عن المأمورأم الآمر؟]

اعلم أن في هذه المسألة، وهي الحجّ عن الغير اختلف المتأخرون من أصحابنا قال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده (١): على قول أصحابنا الحجّ يقع عن المأمور، وللآمر ثواب النفقة، وصار إنفاق المأمور كإنفاق الآمر بنفسه، ولكن يسقط أصل الحجّ عن الآمر؛ لأن الإنفاق أُقيم مقام الأفعال في حق سقوط الأفعال حالة العجز كما أُقيم الفداء مقام الصوم في حق الشيخ الفاني، وهذا لأن الإنفاق سبب للأداء، وإقامة السبب مقام المسبب أصل في الشرع، و (٢) إلى هذا القول مال عامة المتأخرين (٣) منهم صدر الإسلام أبو اليسر، والإمام الإسبيجابي، وقاضي خان، وغيرهم، وهو رواية عن محمد -رحمه الله-.

وقال الإمام شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله-: "إن أصل الحجّ يكون عن الآمر"، وقال في «المبسوط (٤)»: (رجل دفع إلى رجل مالًا ليحج به عن الميت، فلم يبلغ مال الميت النفقة فأنفق المدفوع إليه من ماله أو مال الميت، فإن كان النفقة من مال الميت، وكان ماله بحيث يبلغ الكِراءَ (٥)، وعامة النفقة فهو جائز، وإلا فهو ضامن يرده، ويحج من حيث يبلغ؛ لأن المعتبر في الحجّ عن الغير الإنفاق من ماله في الطريق، والأكثر له حكم [الكل] (٦) والتحرز عن القليل غير ممكن فاعتبر بالأكثر).


(١) شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده هو الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن محمد البخاري الحنفي، المعروف ببكر خواهر زاده، ولفظة (خُوَاهر زاده) تقال لجماعة من العلماء، كانوا أولاد أخت عالم، وهذا المذكور ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري (ت ٤٣٣ هـ)، كان إماماً فاضلاً، كبير الشأن، بحراً في معرفة المذهب، من عظماء ما وراء النهر، له طريقة حسنة معتبرة ومفيدة، جمع فيها من كلّ فنّ، وهي أبسط طرق الأصحاب، وكان يحفظها، له: المبسوط، والمختصر، والتجنيس
(ت ٤٨٣ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٢/ ١٨٣) و (٣/ ١٤١)، تاج التراجم (٢٥٩)، الفوائد البهية (٢٧٠).
(٢) أثبته من (ب، ج).
(٣) في (ب، ج): المتأخرون.
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ١٤٧).
(٥) الكراء: هو الإجارة أو أجرة الشيء المستأجَر.
انظر: المصباح المنير (٥٣٢)، معجم لغة الفقهاء (٢٩٦).
(٦) أثبته من (ج).