للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(ولأنها غَير مؤقتة بوقت).

فإن قلتَ: يُشكل هذا بالأيمان وصلاة الجنازة، فإنهما فرضان وليسا بمؤقتين.

قلتُ: إنما نشأ عدم التوقيت في الأيمان من فرضية الاستغراق، فإن فرضيته مستدامة من غير انقطاع، فكان جميع العمر من غير انقطاع وقته، ولا كذلك العمرة، فإن فرضيتها عند الخصم تتأدى بالمرة كما في الحجّ، وما هذا شأنه من المفروضات المقدرة يقتضي وقتا معيناً لأداء ذلك الفرض كما في سائر الفرائض، وأما صلاة الجنازة فوقتها حضورها، فكانت مؤقتة.

(وتتأدَى بنيةِ غَيرها).

أما عند الخصم، فإن المحرم بالحجّ قبل أشهر الحجّ يكون محرمًا بالعمرة، وأما بالإجماع فإن فائت الحجّ يتحلل بأفعال العمرة، والفرض إنما يباين النفل بهذا، فإن النفل يتأدى بنية الفرض، والفرض الذي هو غير معين لا يتأدى بنية النفل، كذا في «المبسوط» (١) في باب الخروج إلى منى.

قلتُ: وبما قيد في «المبسوط» (٢) بقوله (غير معين) خرج الجواب عما يُورَدُ على لفظ الكتاب/ بصوم رمضان فإنه فرض فيتأدّى بنية النفل لما أنه متعين في وقت له ميعاد، ولم يشرع فيه غيره، فلذلك أصيب بنية النفل لما عرف، فإن قلتَ: ما جوابنا عما احتج به الخصم بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (٣)، الله تعالى خاطبنا بهما بأمر واحد حيث عطف العمرة على الحجّ في الجملة الناقصة، ومثله يقتضي الاتحاد في الحكم بالاتفاق، والحجّ فريضة فيجب أن تكون العمرة فريضة أيضًا، وكذلك قوله تعالى: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} (٤).

(فدل هذا على أن من الحجّ ما هو أصغر) أي: من حيث الأفعال فكانا في استحقاق اسم الحجّ سواء تم الحجّ فريضة فكذا هذا.

قلتُ: أما الآية الأولى فُقرئت بالنصب، والرفع فالقراءة بالرفع ابتداء إخبار بأن العمرة لله، والنوافل لله كالفرائض، ثُمَّ هذا أمر بالإتمام بعد الشروع، فلا خلاف فيه بأن العمرة واجبة الإتمام كالحجّ، وما عرفنا ابتداء فرضية الحجّ بهذه الآية، بل عرفناها بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (٥).

وبهذا يتبين أن المقصود زيارة البيت، وهذا المقصود حاصل بفرضية نسك واحد فلا تثبت الفرضية في عدد منه لما أن كل عبادة وجبت بسبب لم يجب الثني والتكرر (٦) بذلك السبب بعينه كما في الصلوات، وأما الأكبر فدليلنا فإنه يدل على الأصغر، وهو العمرة فإنها الصغرى، ودون [الأكبر في] (٧) مرتبة ووجوبًا، وعند الخصم ليس دونه وجوبًا، ولا يصح صرف الأكبر من حيث الأفعال، فإنه لا يقال: صلاة الظهر أكبر من صلاة الفجر إلى هذا أشار في «المبسوط» (٨)، و «الأسرار» (٩)، والله أعلم بالصواب.


(١) انظر: المبسوط (٤/ ٥٨).
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٥٨).
(٣) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٤) سورة التوبة من الآية (٣).
(٥) سورة آل عمران من الآية (٩٧).
(٦) في (ب): المكرر.
(٧) في (ب، ج): الكبرى.
(٨) انظر: المبسوط (٤/ ٥٩).
(٩) انظر: الأسرار (٢٦).