للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ بلغ في آخره عنده يجزئه عن الفرض، ويجعل كأنه بلغ قبل أداء الصلاة، وهنا أيضًا يجعل كأنه بلغ قبل مباشرة الإحرام، فيجزئه ذلك عن حجة الإسلام.

[الفرق بين الشروط والأركان]

قال أي: الشافعي (١): وهذا على أصلكم أظهر؛ لأن الإحرام عندكم من الشرائط دون الأركان، ولهذا صح الإحرام بالحجّ قبل دخول أشهر الحجّ، ولكنّا نقول: حين أحرم هولم يكن من أهل أداء الفرض، فانعقد إحرامه لأداء النفل، فلا يصح أداء الفرض به، وهو نظير الصلاة إذا أحرم بنية النفل عندنا لا يجزئه أداء الفرض به وعنده ينعقد إحرامه للفرض والإحرام وإن كان من الشرائط عندنا ولكن في بعض الأحكام هو بمنزلة الأركان، ومع الشك (٢) لا يسقط الفرض الذي ثبت وجوبه بيقين، فلهذا لا يجزئه عن حجة الإسلام بذلك الإحرام).

وذكر في «الجامع الصغير» (٣): (فإذا وجد الإحرام في حالة الصغر لم ينعقد إلا للنفل) فلا يتصور أن ينقلب فرضًا كالصبي يحرم للظهر، ثُمَّ بلغ بالسن في خلال الصلاة فأتم صلاته أن ذلك لا يجزئه عن الفريضة.

لأن إحرام الصبي غير لازم؛ لأن ذلك الإحرام الذي يباشره في حالة الصغر كان تخلقًا ولم يكن لازمًا عليه لعذر الصبا (٤).

ألا ترى أنه لو أُحصر (٥) لم يلزمه قضاء ولا دم ولو تناول محظورًا لم يلزمه شيء.

وإذا جدد والثاني فرض غير الأول؛ لأنه نفل وكان من ضرورة تجديد الثاني فسخ الأول، والأول محتمل للفسخ لكونه غير لازم فانفسخ كرجل باع عبدًا بألف ثُمَّ تبايعا بألف ومائة أن الأول يفسخ ضرورة تجديد الثاني، فكذلك هذا (٦).


(١) انظر: المجموع (٧/ ٥٧).
(٢) الشك: أي حدوث اللبس في أدائه. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة شكك، (٤/ ١٧٨).
(٣) انظر: المبسوط (٤/ ١٧٤).
(٤) قلت: وكان القياس أن يصحّ فرضًا لو نوى حجة الإسلام حال وقوفه؛ لأن الإحرام شرط، كما أن الصبي إذا تطهر ثُمَّ بلغ فإنه يصح أداء فرضه بتلك الطهارة، إلا أن الإحرام له شبه بالركن؛ لاشتماله على النية، فحيث إنه لم يعده ما صح له، كما أن الصبي لو شرع في صلاة ثُمَّ بلغ، فإن جدد إحرام الصلاة ونوى بها الفرض يقع عنه، وإلا فلا. انظر: العناية (٢/ ٣٣٢)، تبيين الحقائق (٢/ ٦)، المسلك (ص/ ٧٨).
(٥) أحصر: من حصر ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَأَحَاطَ بِهِ وَبَابُهُ نَصَرَ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: (أَحْصَرَهُ) الْمَرَضُ أَيْ مَنَعَهُ مِنَ السَّفَرِ أَوْ مِنْ حَاجَةٍ يُرِيدُهَا. انظر: مختار الصحاح/ مادة حصر، (ص/ ١٤٤)، والمقصود بها إذا وقع في محظور، أو وقع منه سهو أو نسيان.
(٦) قلت: وعلى هذه المسألة تفريع مهم ذكره صاحب إرشاد الساري في (ص/ ٧٧) بتفصيل حسن جدًا خلاصته فيما يلي: اختلف الفقهاء في المعتبر عند تجديد الإحرام بعد البلوغ، هل هو مجرد الوقوف بعرفة، أو فوات وقت الوقوف؟ فمنهم من يرى أن من وقف بعرفة بعد الزوال لحظة فبلغ، ليس له التجديد وإن بقي وقت الوقوف، ومنهم من يرى أن من وقف بعرفة بعد الزوال فبلغ، ووقت الوقوف باق، كان له أن يجدد الإحرام.
نعم، لو لبى مَنْ بلغ بعد الوقوف قاصدًا المضي في إحرامه، ثُمَّ جدد لم يجُز بالاتفاق، وقد اختار القول الثاني علي القاري وطاهر سنبل، وهو الأرفق بالناس لا سيما بأهل الآفاق، والله أعلم.