للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَابُ الاستِثْناءِ ومَا في مَعْناه

لما ذكر حكم ما وجب موجب الإقرار بكماله ذكر في هذا الباب حكم ما يتغيّر به موجب الإقرار بالاستثناء لما أن التغيّر أبدًا إنما يكون بعد عدم التغيّر.

(وسواء استثنى الأقل أو الأكثر): إلا على قول الفراء (١) فإنه لا يجوز استثناء الأكثر مما تكلم به؛ لأن العرب لم تتكلم بذلك ولكن نجوز استدلالا بقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣)} [المزَّمل: الآيتان ٢، ٣]، ولأن طريق صحة الاستثناء أن يجعل عبارة عما وراء المستثنى. ولا فرق بين الاستثناء بالأقل والأكثر وإن لم يتكلم به العرب لم يمنع صحته إذا كان موافقًا لطريقهم كاستثناء الكسور لم يتكلم به العرب وكان صحيحًا ثم هذا الاستثناء لا يتفاوت بين أن يكون المستثنى منه مما يقسم أو لا يقسم فإن الاستثناء فيهما صحيح؛ حتى لو قال: غصبتك هذا العبد أمس إلا نصفه صدق فيه وكذلك لو قال: إلا ثلثيه إلا على قول الفراء (٢) على ما ذكرنا من استثناء الأكثر من الأقل. أما لو قال: إلا العبد كله كان الاستثناء باطلًا؛ لأنه لا يمكن تصحيحه بأن تجعل عبارة عما وراء المستثنى فإنه لا يبقى وراء المستثنى شيء فكان هذا رجوعًا لا استثناء. والرجوع عن الإقرار باطل موصولًا كان أو مفصولًا وكذلك وقال: على ألف درهم إلا ألف درهم حيث لا يصح الاستثناء لأنه، لم يبق وراء المستثنى


(١) هو: يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلميّ، مولى بني أسد أو بني منقر أبو زكرياء، المعروف بالفراء، إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو. ولد بالكوفة، وتوفي في طريق مكة. سنة ٢٠٧ هـ، من كتبه: المقصور، والممدود، والمعاني ويسمى معاني القرآن، واللغات. يُنْظَر: وفيات الأعيان ٦/ ١٧٦، تاريخ بغداد ١٦/ ٢٢٤.
(٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية ٤/ ١٤٢.