للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولِأَنَّ فِطْرَهُ تضمَّنَ هَتْكَ حُرْمَةِ الشهرِ فكانَ كالفِطْرِ بالجِمَاعِ بيانهٌ: أنَّ نصَّ التحريمِ تَمَّ بالنَّهارِ، يتناولُ ما تناولَهُ نصُّ الإباحةِ بالليالي، وهَتْكُ حُرمةِ الشهرِ جِنايةٌ كاملةٌ، ثُمَّ نحنُ لا نُوجُب الكفارةُ بالقياسِ، وإنما يُوجبها استدلالًا بالنصِّ؛ لأنَّ السائِلَ ذَكِر المواقعةَ، وعينَها ليستْ بجنايةٍ بل هو فِعْلٌ في محلٍ مملوكٍ، فإنمّا الجنايةُ الفِطْرُ بها فتبينَ أنَّ الموجبَ للكفارةِ فْطِرٌ هو جنايةٌ. ألا ترى أنّ الكفارةَ تُضافُ إلى الفِطْرِ، والواجباتُ تُضافُ إلى أسبابِها، والدليلُ عليهِ: أنها لا تجبُ على الناسِي؛ لانعدامِ الفِطْرِ فَلو كانتْ متعلقةً بالوقاعِ عَينهٍ لما اختلفَ الحُكْمِ بينَ العَمْدِ، والنسيانِ كما في الزِّنا، ثُمَّ إيجابهُا في الأَكْلِ أولى؛ لأنَّ الكفارةَ أوجبت زاجرة، ودعاء الطبع في وقت الصَّوْم إلى الأكل أكثر منه إلى الجماع، والصبرُ عنهُ اشتدَّ، فإيجابُ الكفارةِ فيهِ أولى أنّ حُرمةَ التأفيفِ تقتضَي حُرمةَ الشَّتْمِ بطريقِ دلالةِ النصِّ لا بالقياسِ، وكما في قولهِ -عليه الصلاة والسلام- (١): «لا قَوْدَ إِلاَّ بالسَّيفِ» (٢)، ويجبُ بالرَّمحِ والسَّهمِ دلالةً لا قِياسًا فإنَّ بابَ القياسِ مُنسدٌ في بابِ العقُوباتِ (٣).

[[الفرق بين الجماع والأكل والشرب]]

فإنْ قلتَ/: للجِمَاعِ مزيةٌ في استدعاءِ الزاجرِ لغلَطِهِ في الجِنَايةِ، فلا يثَبتُ الحُكْمُ في غيرهِ، وذلكَ مِن وجوهٍ:

أحدُها: أنَّ الجِماعَ يوُجبُ الفطْريْن فكانَ اشدَّ بخلافِ الأَكْل، والشُّربِ والثاني: أنَّ الزاجَر شُرِعَ في الوِقَاعِ عندَ عَدَمِ المُلْكِ، ولم يُشَرعْ في الأَكْلِ عندَ عَدَمِ المُلْكِ، وذلكَ دليلٌ على زيادةِ حُرْمةٍ في الوقاع والثالثُ: أنَّ الإِحْرامَ يَفسدُ بسببِ الجِمَاعِ، ولا يفُسدُ بسائرِ محظوِراتِ الحجِّ، والرابع: أنَّ تمامَ الجُوع يُبيحُ الفِطْرَ بحقِّ الضرورةِ، وكانَ بعضُهُ يُوجِبُ شُبهة الإباحةِ، والكفارةُ لا تجبُ مع الشَّبهةِ بخلافِ الوِقاعِ، فإنُه لا يُباحُ أصلًا في حقِّ الصائِم، والخامسُ: أنَّ الوقاعَ بالمرأةِ، وأعيانٍ منَ الطرفين بخلافِ الأَكْلِ، وما كانَ أكثرُ دَعاءً كانَ أشدَّ استدعَاءً للزاجرِ ألا ترى أنّ أَكْلَ الحُصاةِ والنُّواةِ (لا) (٤) يُوجِبُ الكفارةَ، وإنْ ساوى غيرَهُ في إفسادِ الصَّوْم لقِلةَِّ (الدُّعاءِ إلى) (٥) أَكْلِهما (٦).


(١) في الأصل: (قوله تعالى)، والصواب ما أثبته.
(٢) رَوَاهُ ابن ماجه في سننه (٢٦٦٨)، كتاب الديات، باب لا قود إلا بالسيف، من حديث أبي بكرة، قال الألباني: ضعيف.
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٢).
(٤) سقطت في (ب).
(٥) سقطت في (ب).
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٣٨).