للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلم بهذا أن استثناء الكلّ من الكلّ إنمّا لا يصحّ إذا وقع استثناء الكلّ جملة.

أمّا إذا استثنى جزء فجزّأ حتّى أتى الكلّ فإنّه يجوز، لما أنّ الاستثناء يصرف فيما صح فيه اللفظ، فلما استثنى الجزء عن الكلّ صحّ لفظًا، فكذلك فيما بقي؛ إذ لو كان الاستثناء يتبع الحكم الشرعي لما صحّ في قوله: أنت طالق عشراً إلا تسعًا؛ لما أنّه لا مزيد على الثّلاث شرعًا، وهو صحيح بلا خلاف كما ذكرنا والله أعلم بالصواب.

باب طلاق المريض (١)

لمّا فرغ من بيان طلاق الصّحيح سنياً وبدعياً تنجيزًا وتعليقاً صريحًا وكناية كلاً وجزء.

شرع في بيان طلاق المريض متعرضاً لبعض ما ذكر إذ المرض من العوارض السّماوية، فأخّر بيانه عن بيان حكم من به الأصل وهو الصحّة، أصل الباب أنّ من أبان امرأته في مرض الموت (٢) من غير رضاها - وهي ممّن ترثه -، ثم مات في عدّتها ورثت، خلافاً للشّافعي (٣) فإن مات بعد انقضاء العدّة لم ترثه، خلافاً لمالك وابن أبي ليلى كذا ذكره الإمام التمرتاشي (٤).

قيد بالإبانة؛ لأنّ في الطّلاق الرجعيّ إذا مات الزّوج وهي في العدّة ترث -أيضاً -، لكن لا باعتبار الفرار، بل باعتبار أن حكم النكاح باق من كلّ وجه، وبمرض الموت؛ لأنّه إذا طلقها ثانياً في مرض ثم صحّ ثم مات، لم ترث وبغير الرضاء؛ لأنّه إذا كانت برضاها لا ترث، وممن ترثه احترازاً عن الكتابية والأمة، فلأنّهما لا ترثان وبالموت في العدّة؛ لأنّه إذا مات بعد انقضاء العدّة لا ترث.

قلت: لم يذكر في أصل الباب هذا قيدًا آخر يجب ذكره، وهو أنّ يقول: إذا أبانت المرأة نفسها من الزّوج وهي مريضة، فإن حكم الفرار كما ثبت من جانب الرجل، يثبت من جانب المرأة] أيضا وهو أن المرأة] (٥) إذا ارتدت - والعياذ بالله - وهي مريضة يثبت حكم الفرار في حقها؛ لأنّه تعلق حق زوجها بمالها حين مرضت، فكانت بالردّة قاصدة إلى إبطال حقّه، فارة عن ميراثه، فيرد عليها قصدها، فيرثها زوجها.


(١) يقصد به مرض الموت. ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٤٣٩).
(٢) وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ مُطْلَقًا، واختلفوا في الإرث، فقال الجمهور: (الحنفية والمالكية والحنابلة): إنها ترثه، وقال الشافعي في الجديد: لا ترثه. وقال الظاهرية: طلاق المريض كطلاق الصحيح، ولا فرق، فإذا مات أو ماتت فلا توارث بينهما بعد الطلاق الثلاث، ولا بعد تمام العدة في الطلاق الرجعي. انظر: الأم للشافعي (٥/ ٢٧١)، والمبسوط للسرخسي (٦/ ١٥٤)، والشرح الكبير على متن المقنع (٧/ ١٨١)، والمغني لابن قدامة (٦/ ٣٩٧).
(٣) قال: بأنها لَا تَرِثه. انظر: الأم للشافعي (٥/ ٢٧١).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٥٥).
(٥) زيادة في (ب).