للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلاف ما إذا كانت صحيحة حين ارتدت؛ لأنّها بانت بنفس الردّة، فلم تصير مشرفة على الهلاك؛ لأنّها لا تقبلبخلاف الرجل، فلا يرثها زوجها؛ لأنّها لم تكن فارة، كذا في «المبسوط» (١).

وذكر في «المبسوط» قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (٢) -، إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أو واحدة باينة، ثم مات وهي في العدّة فلا ميراث لها منه - في القياس -، وهو أحد أقاويل الشّافعي -رحمه الله-، وفي الاستحسان ترث منه، وهو قولنا، وقال ابن أبي ليلى: وإن مات بعد انقضاء العدّة ترث منه ما لم تتزوّج بزوج آخر، وهو قول الشّافعي (٣) -رحمه الله-، وقال مالك (٤): وإن مات بعدما تزوجت بزوج آخر فلها الميراث منه، وجه القياس إن سبب الإرث انتهاء النكاح بالموت، ولم يوجد لارتفاعه بالتّطليقات، والحكم لا يثبت بدون السّبب، كما لو طلّقها قبل الدّخول، ولأنّ استحقاق الميراث إمّا بالسّبب أو بالنّسب وقد انعدم الأمران ههنا.

وهذا بخلاف ما إذا طلّقها لا بسؤالها؛ لأن السّبب وإن انقطع حقيقة إلا أنا قضينا ببقاء السّبب تصوّنًا عن الإضرار بها، لتعلّق حقّها بماله في ابتداء مرضه، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا؛ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فقد روى عن إبراهيم (٥) قال: جاء عروة البارقي (٦) إلى شريح (٧) من عند عمر رضي الله عنهم بخمس خصال منهنّ: إذا طلق المريض امرأته ثلاثاً ورثته إذا مات وهي في العدّة (٨)، وعن الشّعبي -رحمه الله-: أن أم البنين بنت عيينةبن حصن (٩) كانت تحت عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فارقها وورثها بعدما حوصر، فجاءت إلى علي -رضي الله عنه- بعدما قتل، فأخبرته بذلك، فقال: «تركها حتّى إذا أشرف على الموت فارقها وورَّثها منه» (١٠)، وأن عبد الرحمن بن عوف (١١) -رضي الله عنه- طلق امرأته تماضر (١٢) أحد التطليقات الثلاث في مرضه، فورَّثها عثمان منه، وقال: «ما اتهمته» (١٣) (١٤)، ولكن أردت السنة، والقياس يترك بإجماع الصحابة (١٥) -رضي الله عنهم-.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٦٤).
(٢) وهذا الخبر هو ما جَاءَ به عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-. ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٥٥).
(٣) الأم للشافعي (٥/ ٢٧١).
(٤) شرح مختصر خليل للخرشي (٤/ ١٨).
(٥) إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ بن الأسودالنَّخَعِيِّ، كُنْيَتُهُ: أَبُو عِمْرَانَ، الفقيه، الكوفي، النخعي؛ أحد الأئمة المشاهير، تابعي، رأى عائشة، وأدرك أنس بن مالك. مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِينَ. انظر: تاريخ الإسلام (٢/ ١٠٥٢)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٢/ ١٤٤)، والأعلام للزركلي (١/ ٨٠).
(٦) عروة بن الجعد، ويقال ابن أبي الجعد الأزدي، ثم البارقي الكوفي، له صحبة، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث، سكن الكوفة، روى عَنْهُ: الشَّعْبِيّ، والسبيعي، وشبيب بْن غرقدة، واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة. انظر: أسد الغابة (٤/ ٢٥)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٤٠٤).
(٧) شريح بن الحارث الكندي قَاضِي الكُوْفَةِ، حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وحَدَّثَ عَنْهُ: قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِم، وَمُرَّةُ الطَّيِّبُ، وَتَمِيْمُ بنُ سَلَمَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ. انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (٢٣/ ٧)، سير أعلام النبلاء (٤/ ١٠٦).
(٨) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (كتاب الطلاق/ بَابُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مَرِيضًا وَمَنْ يَرِثُهَا/ ١٩٦١)، والبيهقي في السنن الكبرى (بَابُ مَا جَاءَ فِي جِرَاحِ الْمَرْأَةِ/ ١٦٣١٤) وَرَوَاهُ جَابر الْجعْفِيّ - وَهُوَ ضَعِيف - عَن الشّعبِيّ، عَن شُرَيْح «أَن عمر كتب إِلَيْهِ بذلك» وَرَوَاهُ مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ: «كتب عمر إِلَى شُرَيْح» وَهُوَ مُنْقَطع. ينظر: البدر المنير (٦/ ٧٧٤).
(٩) أم البنين بِنْت عيينة بْن حصن بن حذيفة الفزارية، لوالدها صحبة، ولها إدراك، وتزوجها عثمان وهي أم عبد الملك ابْن عُثْمَان ينظر: أسد الغابة (٣/ ٥٧٨)، الإصابة في تمييز الصحابة (٨/ ٣٦٦)، الطبقات الكبرى (٣/ ٤٠).
(١٠) أخرجة الدارقطني في سننه (كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره/ ٤٠٤٩)، والبيهقي في السنن الكبرى، (باب ما جاء في توريث المبتوتة في مرض الموت/ ١٥١٢٤)، وابن أبي شيبة في مصنفه (كتاب الطلاق/ مَنْ قَالَ: تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ إِذَا طَلَّقَ وَهُوَ مَرِيضٌ/ ١٩٠٤٢)، وقال البيهقي "قال الشيخ: هذا إسناد متصل وتابعه ابن أخي ابن شهاب عن عمه، وهذا السند رجاله على شرط مسلم". ينظر: السنن الكبرى البيهقي (٧/ ٥٩٣)، والجوهر النقي (٧/ ٣٦٣).
(١١) عبد الرحمن بن عوفابْنِ عَبْدِ عَوْفِ بنِ عَبْدِ بنِ الحَارِثِ أَبُو مُحَمَّدٍ. أَحَدُ العَشْرَةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى، وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ، القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّمَانِيَةِ الَّذِيْنَ بَادَرُوا إِلَى الإِسْلَامِ. لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، له ٦٥ حديثًا. ووفاته في المدينة سنة خمس وثلاثين. انظر: سير أعلام النبلاء (٣/ ٤٩)، الأعلام للزركلي (٣/ ٣٢١).
(١٢) تُمَاضِرُ بِنْت الأَصْبَغِ بْن عَمْرو بْن ثَعْلَبَة بْن حصن بْن ضمضم بْن عدي بْن جناب من كلب. وهي أوّل كلبية نكحها قرشي، سكنت المدينة، وأدركت سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (٨/ ٥٦) الطبقات الكبرى ط العلمية (٨/ ٢٣١).
(١٣) رواه سعيد بن منصور في السنن (كتاب الطلاق/ بَابُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مَرِيضًا وَمَنْ يَرِثُهَا/ ١٩٥٨)، والدارقطني في السنن (كِتَابُ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَغَيْرِهِ/ ٤٠٤٩)، قال ابن حجر: "هَذَا حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ". انظر: التلخيص الحبير (٣/ ٤٦٩).
(١٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٥٤).
(١٥) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٤٦)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (٩/ ٧٠٦٤).