للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[كسب المدبر للغاصب في حال غيابه]]

والثاني: أنّ في المدَّبر القيمةُ ليست ببدل عن العين؛ لأن ما هو شرطه وهو انعدام الملك في العين مُتعذِّر، هذا خلفًا عن النقصان الذي حلّ بيده (١)، ولكن هذا عند الضرورة، ففي كل موضع يُمكن اتحاد الشرط فيه لا تتحقق الضرورة، فيُجعل بدلًا عن العين، وإذا تعذّر اتحاد الشرط يُجعل خلفًا عن النقصان الذي حلَّ بيده، ونظيره فصلان:

أحدهما (٢): ضمان العين، فإنّه بمقابلة العين في كل محل يحتمل اتحاد شرطه، وهو تمليك العين، وفيما لا يَحتمل اتحاد (٣) هذا الشرط كالمدبر، وأم الولد عندهم لا تُجعل بدلًا عن العين، وكذلك ضمان الصُّلح (٤)، فإنه إذا أخذ القيمة (٥) بالتراضي كان المأخوذ بدلًا عن العين في كل محلّ يَحْتمل تمليك العين، [وفي كلّ محلّ لا يحتمل تمليك العين] (٦) يُجْعل المأخوذ بمقابلة الجناية التي حلَّت بيده).

فإن قلتَ: لو احتج الخصم على ما ادَّعاه، وهو أنّ الغاصب لا يملك الجارية، وإن أدّى ضمانها عند التغييب، وكذلك في غيرها لو تغيَّرت العين المغصوبة بفعل الغاصب، حتى زال اسمها، كما في جَعل الحنطة دقيقًا، لا يملكها بالضمان؛ استدلالًا بقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (٢٩)} (٧) فالله- تعالى- جعل أَكْل مال الغير قِسمين: قِسمًا بالباطل، وقسمًا بالتجارة عن تراض، وهذا ليس [بتجارة عن تراض فيكون بالباطل،/ والباطل لا يُفيد الملك والمعنى فيه: أن الغصب عدوان محض؛ لأنّه ليس] (٨) فيه شُبهة الإباحة فلا يكون مُوجِبًا للملك كالقتل (٩)، ولا يجوز أن يثبت الملك بضمان القيمة، لأنّ هذا ضمان جبران، فيكون بمقابلة الفائت، والفائت بالغصب يد المالك لا ملكه؛ فعُلم بهذا أنّ الضمان بمقابلة ذلك الفائت لا بمقابلة الملك؛ ولهذا قلتم: لو [هشم قُلْب فضة] (١٠) إنسان، وقضى القاضي عليه بالقيمة، ثم افترقا من غير قبض لا يَبْطُل القضاء، ولو كان بدلًا عن العين كان صرفًا، فيبطل بالافتراق من غير قبض (١١)، ولمَّا كان كذلك وجب على المالك ردّ ما قبض إذا ظهرت الجارية، ويَسترد الجارية؛ لأنّ مثل هذا الخلف يسقط اعتباره عند ظهور العين، كما لو قلع سن إنسان فَاسْتُوْفِيَ به حَولًا، ثم قضى له بالأرش (١٢) فقبض ثم نبت سِنُّه، يلزمه ردّ المقبوض من الأرش (١٣)، واعتمادهم على فصل المدبّر، فإنّ الغصب يتحقق في المدبّر، وبسبب الملك عندكم لا يتحقّق في المدبّر (١٤) ما جوابنا عنه؟


(١) في (أ): (هذه) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٢) سقطت في (أ).
(٣) في (ع): (إيحاط) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٧٠).
(٤) الصُّلْحُ لغة: التَّوْفِيقُ. المصباح المنير مادة (ص ل ح) (١/ ٣٤٥) وشرعًا: هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ بِالتَّرَاضِي. مجمع الأنهر (٢/ ٣٠٨)، مجلة الأحكام العدلية (ص: ٢٩٧) الْمَادَّةُ (١٥٣١).
(٥) سقطت في (أ) و (ع) وأثبتها من المبسوط. انظر: (١١/ ٧٠).
(٦) في (ع): سقط نظر.
(٧) سورة النساء من آية (٢٩).
(٨) في (ع): سقط نظر.
(٩) أي: إذا قتل الجارية وضمنها لا يملكها.
(١٠) في (أ): (هشمه قلت: قصة).
(١١) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٦٨).
(١٢) الْأَرْشُ لُغَةً: دِيَةُ الْجِرَاحَاتِ. الصحاح مادة (أ ر ش) (٣/ ٩٩٥)، المغرب مادة (أ ر ش) (ص: ٢٣). وشرعًا: اسم للواجب على ما دون النفس. أنيس الفقهاء (ص: ١١٠).
(١٣) انظر: الهداية (٤/ ٤٦٩)، البحر الرائق (٨/ ٣٨٧).
(١٤) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٦٨)، الأسرار للدبوسي (٣/ ١٤٣).