للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلْتُ: فعلى هذا جعل العُروض، فهنا جمع عْرض بسكون الراء أولى، بلْ هو واجب؛ لأنه في بيان حُكم الأموالِ التي هي غيرُ الدراهم والدنانير والحيوانات.

(كائنةً ما كانتْ) (١)، أيْ: كانتْ عَروضُ التجارةِ كائنةً أي شيءٍ كانتْ هِي العروضُ، أيْ من أيِّ جنسٍ كانت سواءً كانت من جنس ما تجبُ فيه الزَّكَاةُ كالسوائم، أو من جنس ما لا تجبُ فيه الزَّكَاةُ كالثياب والحُمرِ (٢) والبِغال، ثُمَّ اختلفتْ الأقوال في التقويم على أربعة أوجه:

[[تقويم العروض]]

أحدها: أن الخيار لصاحب المال، فَيُقَومُ هو بأيِّ النقدين شاءَ، إنْ شاءَ بالدراهمِ، وإنْ شاءَ بالدنانير، وهو المذكورُ في أصلِ "المَبْسُوط" (٣)، فوجههُ أنّ التقويمَ لمعرفةِ مقدارِ المالية، والنقدان في ذلك على السواء، فكان الخيارُ إلى صاحب المال، ألا ترى أنّ الإبل إذا بلغتْ مائتين الخيارُ إلى صاحب المال إنْ شاءَ أدّى أربعَ حقاق، وإنَ شاءَ أدَّى خمس بنات لَبُون.

والثاني: ما رُوِيَ عنَ أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- في "الأمالي" (٤) (٥): أنهُ يُقوُّمها بأنفعِ النقدين للفقراء (٦)، فوجهُهُ أنَّ المالَ كان في يدِ المالك، وهو المنتفعُ في زمانٍ طويلٍ، فلابُدَّ من اعتبارِ منفعةِ الفقراءِ عنَد التقويمِ؛ لأداءِ الزَّكَاة فيقوّمها بأنفع النقدين، ألا ترى أنُه لو كان تقومه بأحد النقدين يتمُّ النِّصَاب وبالآخر لا، فإنها تُقَوُّم بما يتمُّ به النِصاب لمنفعةِ الفقراء بالاتفاق (٧)، وهذا مثلهُ، والثالث: قولُ أبي يُوسُف -رحمه الله- (٨) (٩).


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٢) هكذا في (أ) وفي (ب) (الحمير).
(٣) يُنْظَر: (٢/ ٣٤٣).
(٤) كتاب الآمالي في الفقة لابي يُوسُف صاحب أبي حَنِيفَةَ وهو من كتب النوادر في المذهب الحنفي التي أملاها أبي يُوسُف من مذهب أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- بحثت عنه ولم أجد له طبعه ولعله لايزال مخطوطاً.
(٥) قال ابن عابدين (والأمالي جمع إملاء وهو أن يقعد العالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس فيتكلم العالم بما فتحه الله عليه من ظهر قلبه في العلم وتكتبه التلامذة ثُمَّ يجمعون ما يكتبونه فيصير كتاباً فيسمونه الإملاء والأمالي).
يُنْظَر: عقود رسم المفتي (ص ١٧).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٢/ ٣٤٣).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط (٢/ ٣٤٤)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٢٠).
(٨) هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي، البغدادي (أبو يُوسُف) فقيه، أصولي، مجتهد، محدث، حافظ، عالم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. ولد بالكوفة، وتفقه على أبي حنيفة، وسمع من عطاء بن السائب وطبقته، وروى عنه مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وولي القضاء ببغداد لثلاثة من الخلفاء العباسيين المهدي والهادي وهارون الرشيد، ودعي بقاضي القضاة، وتوفي ببغداد لخمس خلون من ربيع الآخر، ودفن في مقابر قريش بكرخ بغداد بقرب أم جعفر زبيدة.
من آثاره: كتاب الخراج، المَبْسُوط في فروع الفقه الحنفي ويسمى بالاصل، كتاب في أدب القاضي على مذهب أبي حَنِيفَةَ، وأمال في الفقه. يُنْظَر: التاريخ الكبير (٨/ ٣٩٧)، الجرح والتعديل (٩/ ٢٠١)، تاريخ بغداد (١٤/ ٢٤٢).
(٩) قال أبو يُوسُف في التقويم: قولهما هو الصحيح. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٥/ ٤٧٠).