للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُوَاظَبَةُ إِنَّمَا تَكُونُ؛ دَلِيلَ الْوُجُوبِ، إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ -رحمه الله- لَمَا احْتَاجَ إِلَى إِثْبَاتِ وَاجِبِيَّةِ الْفَاتِحَةِ، وَالْقُنُوتِ وَالتَّشَهُّدِ، كَيْفَ أَكَّدَ مُوَاظَبَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِغَيْرِ تَرْكٍ فِي "بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ"، فَقَالَ: (؛ فَإِنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- وَاظَبَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا) (١) ثُمَّ ثَبَتَ التَّرْكُ ها هُنَا مَعَ الْمُوَاظَبَةِ، فَإِنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيَّ -رحمه الله- قَالَ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: (لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ رَفْعَ الْيَدِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْوَاجِبَاتِ، وَوَاظَبَ عَلَى رَفْعِ الْيَدِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ فَدَلَّ أَنَّهُ سُنَّةٌ) (٢).

[[وقت الأفضلية في رفع اليدين عند التكبير]]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ)

اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي أَفْضَلِيَّةِ وَقْتِ الرَّفْعِ، فَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقَاضِي خَانَ (٣) وَصَاحِبُ "التُّحْفَةِ" (٤) الْمُقَارَنَةَ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ (٥) وَصَاحِبُ "الْهِدَايَةِ" (٦) تَقْدِيمَ الرَّفْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رحمه الله- (٧) ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرَةِ، لِأَنَّهُ سُنَّةُ التَّكْبِيرَةِ؛ فَإِنَّهُ شُرِعَ فِي التَّكْبِيرَةِ لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ، فَيَكُونُ تَبَعاً لَهَا كَالْجَهْرِ بِهَا، وَإِذَا كَانَ الرَّفْعُ مِنْ سُنَّةِ التَّكْبِيرِ كَانَ تَبَعاً لَهَا، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ إِذَا وُجِدَ الرَّفْعُ مَعَ التَّكْبِيرَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ مُقَارِناً لَهَا كَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقِيَامِ؛ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهَا الْمُقَارَنَةَ فَكَذَا هَذَا.


(١) انظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٧٤) قال المرغيناني -رحمه الله-: (" أو ترك قراءة الفاتحة " لأنها واجبة " أو القنوت أو التشهد أو تكبيرات العيدين " لأنها واجبات فإنه عليه الصلاة والسلام واظب عليها من غير تركها مرة وهي أمارة الوجوب ولأنها تضاف إلى جميع الصلاة فدل على أنها من خصائصها وذلك بالوجوب ثم ذكر التشهد يحتمل القعدة الأولى والثانية والقراءة فيهما وكل ذلك واجب وفيها سجدة السهو هو الصحيح) أ. هـ.
(٢) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١١).
(٣) "فتاوى قاضي خان" (ص ١٠٥).
(٤) "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ١٢٦).
(٥) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١١).
(٦) "الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٤٨).
(٧) المقصود به شيخ الإسلام المعروف بخواهرزاده وهو مروي عن الصِّفار و أَبِي يُوسُفَ أيضاً. انظر " تحفة الملوك للسمرقندي" (ص: ٦٨) و " تبيين الحقائق للزيلعي " (١/ ١٠٩).