للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: (أن الغصب الموجب للضمان عنده (١) يحصل بإثبات اليد، واليد على المنفعة تثبت كما تثبت على العين، وعندنا لا تتحقق إلا بيد (٢) مُفَوِّتة ليد المالك، وذلك لا يتحقق في المنافع، لأنها لا تبقى وقتين، فلا يُتصوّر كونها في يد المالك، ثم انتقالها إلى يد الغاصب حتى تكون يد الغاصب مُفوِّتة ليد المالك؛ فلذلك لا يَضْمن المنافع بالغصب عندنا (٣).

[[الخلاف في ضمان المنافع بالإتلاف]]

وأما الإتلاف فنحن (٤) نقول: عندنا المنافع لا تُضْمن بالإتلاف بغير عقد ولا شُبْهة عقد، وعند الشافعي (٥) -رحمه الله- تُضْمن، ومنفعة المال، ومنفعة الحر في ذلك سواء حتى لو اسْتَسْخر حُرًّا واسْتعمله عنده يَضْمن أجر مِثله، وعندنا يأثم، ويُؤَدَّب على ما صنع، ولكنه لا يَضمن شيئًا) كذا في «المبسوط» (٦).

(ولا فرق في المذهبين) أي: في مذهبنا بعدم الضمان، وفي مذهب الشافعي بالضمان

[[تعطيل المنافع أو سكناها]]

بين (ما إذا عطَّلَها أو سكنها) أي: في حق الحكم، وهو عدم الضمان عندنا والضمان عنده، ولكن قد يُفرَّق بينهما فيُقال للتعطيل (٧) غصب المنافع، والسكنى والركوب وغيرهما من الاستعمال إتلاف المنافع (٨)؛ وقد نَصّ في الأسرار (٩) بقوله: (المنافع لا تُضْمن بالإتلاف)، وقال

الشافعي- رحمه الله- (١٠) / تُضمن، ثم قال: (وإتلاف المنافع في الانتفاع بالعين) ويَقع الفرق بينهما في حق الحكم عند الشافعي (١١) أيضًا في حق الحر؛ فإنّه إذا غصبه وأمسكه زمانًا أو أزمنة لا يَضمن منافعه؛ لأنّ الحر في يد نفسه، ومنافعه تلفت معه فلم تُضمن لعدم إثبات يد الغاصب كما لا تُضمن نفسه إذا تلفت، وأمّا إذا استخدمه، وأتلف عليه ضمِن بخلاف العبد فإنّه يصير في يد الغاصب مغصوبًا فكذا المنفعة (١٢) بمنزلة ولد المغصوبة، وسائر الزوائد، فيضمن في كلا الوجهين عنده في العبد (١٣).


(١) أي: الشافعي -رحمه الله-.
(٢) في (أ): (بعد كونه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٧٨).
(٣) انظر: الأسرار (٣/ ١١١)، المبسوط للسرخسي (١١/ ٧٨)، تحفة الفقهاء (٣/ ٩٠).
(٤) سقطت في (ع).
(٥) انظر: الحاوي الكبير (٧/ ١٦٢)، روضة الطالبين (٥/ ٦٣)، تحفة المحتاج (٦/ ٣٠)، نهاية المحتاج (٥/ ١٧١).
(٦) للسرخسي (١١/ ٧٨).
(٧) في (أ): (للتعليل).
(٨) انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ٢٤٩).
(٩) للدبوسي (٣/ ١١٢).
(١٠) انظر: الحاوي الكبير (٧/ ١٦٢)، روضة الطالبين (٥/ ٦٣) تحفة المحتاج (٦/ ٣٠)، نهاية المحتاج (٥/ ١٧١).
(١١) قال الماوردي: (قال جمهور أصحابنا: إن منافع الحر ليست مضمونة بالتفويت والحبس، وإنما هي مضمونة بالاستهلاك والإجبار على العمل). الحاوي الكبير (٧/ ١٦١)، وانظر: روضة الطالبين (٥/ ١٤).
(١٢) في (ع): زيادة (معه).
(١٣) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٧٨).