للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ولو أفَطَرَ قبلَ أنْ يَرُدَّ الإمامُ شهادَتَهُ اختلفَ المشايخُ فيهِ) (١)، أي: في وجُوبِ الكفارةِ، والصحيحُ (٢): أنهُ لا تجبُ عليه الكفارةُ (٣) كذا في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (٤)، وهذهِ الكفارةُ تندرِئُ بالشُّبهاتِ بدليلِ أنها لا تجبُ على المعذورِ والمخِطئِ، وإنما تجبُ على مَنْ تعمَّدَ الفِطْرِ بخلافِ سائرِ الكفاراتِ، فإنها تجبُ على المعذورِ والمخِطئِ، فُعِلمَ أنَّ هذهِ الكفارةِ أُلْحِقَتْ بالعقُوباتِ، وهي لا تثبتُ مع الشبهاتِ، (ولو أكملَ هذا الرجلُ ثلاثين يوماً لم يُفْطِرْ إِلاَّ مع الإمامِ) (٥) والجماعةِ، ولعلَّ الغلطَ وقعَ لهُ كما رُوِيَ في حديثِ عُمرِ -رضي الله عنه-: «أنهُ أمرَ الذي قالَ: رأيتُ الهلالَ أنْ يمسحَ حاجبيهِ بالماءِ، ثُمَّ قال: أينَ الهلالُ؟ فقالَ: فقدتُهُ، فقالَ: شعرةٌ قامتْ من حاجبكَ فحسِبْتها هِلالاً» (٦)، وإنما أمرنا بالصَّوْم في الابتداءِ احتياطاً مِنْ غيرِ أن يحكُمَ أنَّ اليومَ مِنْ رمضانَ، فالاحتياطُ هاهنا في أنْ لا يُفِطرَ إِلاَّ مع الجماعةِ، كذا في «المَبْسُوط» (٧).

[[شهادة الواحد]]

وفي إطلاقِ جوابِ الكتُّابِ، وهو قولُه: قبلَ الإمامِ شهادةُ الواحدِ العدلِ (٨)، وهو ظاهرُ الروايةِ (٩)؛ لأنهُ خبرٌ، أي: أنهُ خبرٌ وليسَ بشهادةٍ، ولهذا لم يختصْ بلفظِ الشهادةِ، ولِأَنَّ شهادةَ العبدِ هاهنا مقبولةٌ، وإنْ لم يكنْ للعبدِ شهادةٌ حتى لا ينعقِدَ النكاحُ بشهادتِهِ فلأنْ يقبلَ شهادةَ المحدودِ بعدَ التوبِة، والنكاحُ ينعقِدُ بشهادتِهِ أولى، ولِأَنَّ الصحابةَ كانوا يقبلونَ رِوايةَ أبي بَكْرةَ (١٠) بعدما أُقِيمَ عليهِ حدُّ القذفِ (١١)؛ لأن شهادته من وجهٍ من حيثُ إنَّ وجوبَ] العملَ إنما (١٢) كانَ بعدَ قضاءِ القاضي منْ حيثُ اختصاصهِ بمجلسِ القضاءِ، ومنْ حيثُ اشتراطِ العدالةِ، والحجةِ عليهِ ما ذكرنا (١٣)، وهو قولُه: (لأنهُ أَمْرٌ ديني، ثُمَّ إذا قَبِلَ الإمامُ شهادةَ الواحدِ، وصاموا ثلاثينَ يوماً لا يُفطرون) (١٤)، أي: وصاموا ثلاثين يوماً، فلم يَرَوْا الهلالَ لا يفُطرونَ (١٥) إلى أنْ يتيقنوا بانسلاخِ رمضانَ للأخذِ بالاحتياطِ في الحالتينِ، وعن مُحَمَّد -رحمه الله- (١٦): أنهم يفُطرون، (ويثبتُ الفِطْرِ بناءً على ثُبوتِ الرمضانيةِ بشهادةِ الواحدِ، وإنْ كان لا يثُبتُ بها ابتداءً) (١٧)؛ لأنَّ الشيءَ قد يثبتُ في ضِمْنِ شيءِ، وإنْ كانَ لا يثبتُ ابتداءً كبيعِ الطريقِ، والسّرِبُ (١٨) يصحَّ في ضمنِ بيعِ الأرضِ، وإنْ كانَ لا يصحَّ ابتداءً، وله نظائرٌ (١٩).


(١) يُنْظَر الهِدَايَة (١/ ١٢١).
(٢) يُنْظَر: مجمع الأنهر (١/ ٣٥٢)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٨٦).
(٣) قال في بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٨٠) (فلا رواية فيه عن أصحابنا في وجوب الكفارة).
(٤) يُنْظَر فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (١/ ١٧٦).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١).
(٦) بَحَثتُ عنهُ في كتبِ الحديث والسِّير ولم أجده، وإنما يذكرهُ الفقهاء في كُتُبِهِم، الْمَجْمُوع (٦/ ٢٨٠)، الْمُغْنِي (٣/ ٩٦).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٤١).
(٨) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٩).
(٩) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٢٩).
(١٠) هو: نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن أبي سلمة الثقفي وهو ممن نزل يوم الطائف إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في "بكرة " فأسلم وكني أبا بكرة وأعتقه رسول الله -عليه الصلاة والسلام-. وهو معدود في مواليه توفي في البصرة قيل سنة سنة إحدى وقيل: اثنتين وخمسين.
يُنْظَر: أسد الغابة (ص: ١١٤٧)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (٣/ ٥).
(١١) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٨١)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٢٠).
(١٢) في (ب) (العمل به إنما).
(١٣) يُنْظَر: حاشية الطحطاوي (١/ ٤٥٤)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٩).
(١٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١).
(١٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٢٠).
(١٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٢٠).
(١٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١).
(١٨) السِّرْب: هو النفق في الأرض. يُنْظَر: الصِّحَاح (٤/ ٢٤٦).
(١٩) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٢٢ - ٣٢٤)، وتَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٢٠).