للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المَبْسُوط» (١): قال ابنُ سماعةَ: فقلت لمحمدٍ: كيفَ تُفطرونَ بشهادةِ الواحد؟ فقال: لا تُفطرونَ بشهادةِ الواحدِ، بل بحُكْمِ الحاكِمِ؛ لأنهُ لَمَّا حَكَمَ بِدُخولِ شَهرِ رمضانَ، وأَمَرَ الناسَ بالصَّوْم، فَمِنْ ضرورتِه الحكمُ بانسلاخِ رمضانَ بعدَ مُضي ثلاثين يوماً، فالحاصلُ: أنَّ الفطرَ هاهنا مما تفضي إليهِ الشهادةُ لا أنْ يكونَ ثابتاً بشهادةِ الواحدِ، وهو نظيرُ شهادةِ القابلةِ على النسبِ، فإنها تكون مقبولةً، ثُمَّ يفضي ذلك إلى استحقاقِ الميراثِ، والميراثُ لا يثبتُ بشهادةِ القابلةِ ابتداءً، (كاستحقاقِ الإرثِ بناءً على النسبِ الثابتِ بشهادةِ القابلةِ) (٢)، وهذا الاستشهادُ إنَّما يصحُّ على قولهِما دونَ قولِ أبي حنيفةَ -رحمه الله- (٣)، كذا ذكره في «الإيضاحِ» (٤)، وفي المنظومةِ: لو شَهِدَتْ قابلةٌ بالولدِ لم يُعتبرْ ذلك بلا مُؤيدٍ، وهو/ فراشُ قائمٍ، أو ما ظهرَ من حِيَلِ، أو اعترافٌ قد صَدَرَ، وإذا لم يَكُنْ بالسماء عِلّةٌ لم تُقبلْ الشهادةُ حتى يراهُ جَمْعٌ كثيرٌ، أي: في هلالِ رمضانَ، وكذلك الحكمُ أيضاً في هلالِ الفِطْرِ عنَد عَدَمِ العِلَّةِ بالسماءِ إِلاَّ أنَّ سُوقَ الكلامِ هاهنا لهلالِ رمضانَ.

وعن أبي يوسفَ -رحمه الله-: خمسونَ رجلاً اعتباراً بالقسامة، وعن خلف بن أيوب -رحمه الله- (٥): أنهُ قال: خمسُمائةٍ ببلخٍ قليلٌ، (وإليهِ الإِشارةُ في كتابِ الاستحسانِ) (٦)، ولفظُ كتابِ الاستحسان: فإنْ كانَ الذي شَهِدَ بذلك في المِصْرِ، ولا عِلَّةَ في السماءِ لم تُقبلْ شهادتُهُ؛ لأنَّ الذي يقعُ في القلبِ مِنْ ذلك أنهُ باطلٌ (٧).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (٣/ ٢٥٣، ٢٥٤).
(٢) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١).
(٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق: (١/ ٣٢٠).
(٤) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٢٤).
(٥) هو: خلف بن أيوب الفقيه أبو سعيد العامري البلخي الحنفي. مفتي أهل بلخ وزاهدهم وعابدهم. أخذ الفقه عن أبي يوسف، وقيل: إنه أدرك مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وتفقه عليه، وقد سمع منه، ومن عوف الأعرابي، ومعمر، وإبراهيم بن أدهم وصحبة مدة، روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو كريب، وعلي بن سلمة اللبقي، وجماعة، وكان من أعلام الأئمة -رحمه الله- تعالى.
يُنْظَر: ثقات لابن حبان (٨/ ٢٢٧)، تاريخ الإسلام (٥/ ٦٩)، تاج التراجم (ص ١٦٦).
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١).
(٧) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٢٠، ٣٢١).