للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَابُ مَا يُحْدِثُهُ (١) الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ

[[مناسبة ذكر الباب لما قبله]]

لما فرغ من بيان أحكام القتل بطريق المباشرة، ولا يُشكِل الجنين، فإنَّ الضَّرب على بطن المرأة مباشرة في قتل الجنين، حتى لا يرث الأب إذا وجد منه ذلك [الضرب، شرع في بيان أحكام القتل بطريق التسبيب وأخَّر أحكام التسبيب عن أحكام المباشرة؛ لأنَّ المباشرة قتل بدون الواسطة] (٢)، والتَّسبيب بالواسطة فكانت المباشرة أقوى عليه للقتل بعدم احتياجه إلى الواسطة فكان أولى بالتَّقديم، أو لأنَّ القتل بالمباشرة أكثر وقوعًا فكان أمسَّ حاجة إلى معرفة أحكامه فكان أحق بالتقديم.

الكنيف: المستراح (٣).

[[تعريف الجرصن]]

الجرصن: دخيل أي: ليس بعربيِّ أصلي.

وقد اختلف فيه، فقيل: البُرْج، وقيل: مجرى ماء يركب في الحائط.

وعن الإمام البزدوي -رحمه الله-: جذع يخرجه الإنسان من الحائط ليبني عليه كذا في «المُغرب» (٤).

وفيه أيضاً العُرضُ: بالضمِّ، الجانب وفلان من عرض العشيرة، أي: من شقها لا من صميمها، ومراد الفقهاء: أبعد العصبات (٥).

وقيل: المراد من العرض ههنا هو أبعد النَّاس في المنزلة، أي: أضعفهم وأرذلهم (٦).

وذكر الإمام المحبوبيُّ في «الجامع الصَّغير» الجرصن: هو البرج الذي يكون في الحائط (٧).

ثم قال: الكلام في المسألة في ثلاثة مواضع:

أحدها: أنَّه هل يحل إحداث هذا في الطَّريق أم لا؟

والثَّاني: في الخصومة في الدّفع.

والثَّالث: في ضمان ما يتلف بهذه الأشياء.

[[الإحداث في الطريق]]

أمَّا في الإحداث (٨) قال شمس الأئمة السَّرَخْسِيِّ في شرح هذا الكتاب: فإن كان الإحداث يضرُّ بأهل الطَّريق ويحول بينهم وبين المرور في الطَّريق فليس له أن يحدث ذلك وإن كان لا يضر بأحد لِسَعَة الطَّريق جاز له إحداثه ما لم يمنع منه؛ لأنَّ الطَّريق معد للتطرق، وهو حق العامة، وفي إحداث شيء فيما هو حق عامَّة المسلمين يعتبر الضَّرر عملاً بقوله -عليه السلام-: «لا ضَررَ ولا ضِرَارَ في الإسلام» (٩) ففيما يتمكَّن فيه الضَّرر هو آثم في الضَّرر بغيره، وفيما لا يتمكَّن فيه الضَّرر يترفق بالمباح ولا يضر بغيره وربما ينفع غيره، فالمار ينتفع به من حيث إنَّه يندفع عنه الثلج والحر والبرد (١٠).


(١) كذا في (أ)، وفي بداية المبتدي (٢٤٧)، والهداية (٤/ ١٩١)، (مَا يُحْدِثُ).
(٢) في هامش (أ).
(٣) المغرب في ترتيب المعرب (٢/ ٢٣٥).
(٤) المرجع السابق (١/ ١٤١).
(٥) المرجع السابق (٢/ ٥٣).
(٦) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٢٩).
(٧) يُنْظَر: دستور العلماء (١/ ٢٦٨).
(٨) يُنْظَر: تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٩٥)، مجمع الأنهر (٤/ ٣٦٠).
(٩) رواه ابن ماجه (٢/ ٧٨٤)، في (كتاب الأحكام)، في (باب من بنى في حقه ما يضر بجاره)، برقم (٢٣٤١) عن عِكْرِمَةَ عن ابن عَبَّاسٍ قال: قال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ». ورواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٦٦)، في (كتاب البيوع)، برقم (٢٣٤٥) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا ضرر ولا ضرار من ضار ضاره الله ومن شاق شاق الله عليه» وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(١٠) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٢٠٠)، تبيين الحقائق (٦/ ١٤٢)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٩٥)، مجمع الأنهر (٤/ ٣٦٠).