للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الفقيه أبو الليث -رحمه الله-: وهذا نظير رجل له على غيره دين فإن طالبه صاحب الدَّين بقضائه لا يسعه أن يؤخره دفعاً للضَّرر عن صاحب الدَّين، وإن لم يطالبه كان في وسعه من تأخيره لانعدام الضَّرر في حقِّه فهذا مثله.

وعلى هذا لو قعد الرجل في الطَّريق يبيع ويشتري إن كان الطَّريق واسعاً لا يتضرر النَّاس بقعوده جاز له أن يقعد، وإن كان فيه ضرر بالنَّاس لا يجوز له القعود (١).

وأمَّا في الخصومة فقال أبو حنيفة -رحمه الله-: لكلِّ أحد من عرض النَّاس أن يمنعه من الوضع، وإن تكلفه الرفع بعد الوضع سواء كان فيه ضرر أو لم يكن إذا وضع بغير إذن الإمام؛ لأنَّ التَّدبير فيما يكون حقاً للعامّة إلى الإمام لِتَسْكين الفتنة فالذي يضع بغير إذنه يفتات على رأي الإمام فيه فلكلِّ أحد أن ينكره عليه.

وعلى قول أبي يوسف -رحمه الله-: لكلِّ أحد قبل الوضع أن يمنعه منه لا بعد الوضع؛ لأنَّ قبل الوضع لكل أحد يد فيه، فالذي يحدث يريد أن يجعلها في يد نفسه خاصة، فأمَّا بعد الوضع فقد صار في يده فالذي يخاصمه يريد إبطال يده من غير دفع الضَّرر عن نفسه ويكون متعنتاً.

وعلى قول محمَّد -رحمه الله-: ليس له أن يخاصم بالمنع ابتداء، ولا بالرَّفع انتهاءً إذا لم يكن فيه ضررًا؛ لأنَّه مأذون في إحداثه شرعاً فهو كما لو أذن له الإمام فيه بخلاف ما لو كانت السكة غير نافذة، فإنَّه ممنوع من إحداثه شرعًا وإن لم يكن يتضرَّر به أهل السِّكة؛ لأنَّه كالمملوك لهم (٢).

و (فِي المِلْكِ المُشْتَرَكِ (٣) لا يعتبر الضَّرر.

وعن أبي القاسم الصَّفَّار -رحمه الله- (٤) أنَّه قال: إنَّما يلتفت إلى خصومته إذا لم يكن له مثل ذلك، أي: من الجرصن وغيره فإن كان له مثله لا يلتفت إلى خصومته؛ لأنَّه لو أراد به إزالة الضَّرر عن النَّاس لبدأ بنفسه وحيث لم يبدأ دلَّ أنه متعنت وليس بمحتسب (٥).


(١) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٧/ ٣٠٦)، تبيين الحقائق (٦/ ١٤٢)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٣٠).
(٢) يُنْظَر: تبيين الحقائق (٦/ ١٤٢، ١٤٣)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٢٦)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٢٩)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٩٥)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٥٩٣)، تكملة رد المحتار (١/ ١٦٥).
(٣) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩١).
(٤) هو: الشيخ الفقيه المحدث أحمد بن عصمة أبو القاسم الصفار البلخي، الملقب حَم بفتح الحاء، نقل عن الفقيه أبو جعفر الهندواني فى طبقة الكرخي، وتفقه على أبي جعفر المغيدواني وسمع منه الحديث، وروى عنه أبو علي الحسين بن الحسن ابن صديق بن الفتح الوزعجي شيخ ثقة. قال السمعاني فى ترجمة الوزعجي: أبو علي الحسين بن صديق الوزعجي يروي عن محمد بن عقيل وأحمد بن حم. (ت ٣٢٦ هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٧٨).
(٥) يُنْظَر: تبيين الحقائق (٦/ ١٤٢)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٩٥).