للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب صلاة الخوف]

لما ذكر صلاة الاستسقاء بعد صلاة العيد، والكسوف لما ذكرنا من المناسبة بينها ذكر صلاة الخوف بعد صلاة الاستسقاء لمناسبته بينهما، وهي أن شرعيتهما هكذا لعارض خوف فيهما لكنه قدّم صلاة الاستسقاء على صلاة الخوف لمعنيين:

أحدهما: أنّ العارض في صلاة الاستيقاء (١)، وهو انقطاع المياه سماوى، والعارض في صلاة الخوف، وهو الجهاد الذي سببه كفر الكافر اختياري، فتقدم السماوي على الاختياري أبدًا، كما في سائر المواضع.

والثاني: أن العارض في الاستسقاء أثره في أصل الصلاة، وفي الخوف أثره في الهيئة، فذكر الأصل مقدّم على ذكر الصفة (٢).

[١٥٢/ ب] اعلم: أن صلاة الخوف مشروعة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول علماؤنا في ظاهر الرواية، وقول الشافعي -رحمه الله-، وقد ذكر الحسن في كتاب صلاته عن أبي يوسف أن صلاة الخوف كانت مشروعة في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمّا بعد رسول الله صلى الله/ عليه وسلم غير مشروعة (٣). كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٤).

(إذا اشتد الخوف) (٥) اشتداد الخوف ليس بشرط عند عامّة مشايخنا حيث جعل في «التحفة» (٦)، سبب جواز صلاة الخوف نفس قرب العدو من غير ذكر الخلاف، ومن غير ذكر الاشتداد (٧)، وكذا ذكر في «المبسوط» (٨)، و «المحيط» (٩)، وقال: بأن المسلمين إذا رأوا سوادًا فظنوا أنّهم العدو، فصلوا صلاة الخوف، فإن تبين أنّه كان سواد العدو، فقد ظهر أن سبب الترخص كان متقررًا فيجزيهم صلاتهم، وإن ظهر أن السواد سواد إبل أو بقرًا، وغنم، فقد ظهر أن سبب الترخص لم يكن متقررًا، فلا يجزيهم صلاتهم.

وذكر في «مبسوط فخر الإسلام»: والمراد بالخوف عند البعض حضرة العدو لا حقيقة الخوف على ما عرف من أصلنا في تعليق الرخص بنفس السّفر لا حقيقة المشقة؛ لأن السّفر سبب المشقة، فأقيم مقامها، فكذا حضرة العدو هاهنا سبب الخوف، فأقيم مقام حقيقة الخوف (١٠).

قوله: (جعل الإمام الناس طائفتين طائفة إلى وجه العدو، وطائفة خلفه) (١١) اعلم: أنّ هاهنا قيدًا، والناس عنه غافلون، وهو أن هذا الفعل المذكور في صلاة الخوف إنما يحتاج إليه أن لو تنازع القوم في الصلاة خلف الإمام، فقال: كل طائفة منهم أنا نصلي معك، فحينئذ يجعل القوم طائفتين يقف إحديهما (١٢) بإزاء العدو، ويراقبون العدو، والطائفة الأخرى يفتتحون الصلاة مع الإمام … إلى آخره كما ذكر في الكتاب.


(١) في (ب): " الاستسقاء ".
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٩٢.
(٣) في (أ): "مشروع".
(٤) ينظر: تحفة الفقهاء: ١/ ١٧٧.
(٥) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٧.
(٦) ينظر: تحفة الفقهاء: ١/ ١٧٧.
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٩٢.
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٨٧.
(٩) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٥١.
(١٠) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٩٧، البحر الرائق: ٢/ ١٨٢.
(١١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٧.
(١٢) في (ب): "أحداهما".