للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إذا لم يتنازع القوم خلفه فإن الأفضل للإمام أن يجعل القوم طائفتين، فيأمر طائفة ليقيموا بإزاء العدو، ويصلي بالطائفة التي معه تمام الصلاة، ثم يأمر رجلًا من الطائفة التي بإزاء العدو حتى يصلي بهم [تمام] (١) صلاتهم أيضًا، والطائفة التي صلوا مع الإمام، أو لا يقومون بإزاء العدو. كذا في «مبسوط فخر (٢) الإسلام» (٣)، و «المحيط» (٤).

(وأبو يوسف وإن أنكر شرعها في زماننا فهو محجوج عليه بما روينا) (٥)، وكان يقول أبو يوسف أولًا مثل ما قالا، ثم رجع، فقال: كانت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ولم تبق مشروعة بعده؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (٦) فقد شرط كونه فيهم لإقامة صلاة الخوف (٧)، ولأن الناس كانوا يرغبون في الصلاة خلفه ما لا يرغبون في الصلاة خلف غيره، فشرعت بصفة الذهاب، والمجيء لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه، وقد ارتفع هذا المعنى بعده فكل طائفة يتمكنون من أداء الصلاة بإمام على حدة، فلا يجوز لهم أداؤها بصفة الذهاب والمجيء، وحجتنا في ذلك أنّ الصحابة - رضي الله عنهما - أقاموها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح (٨) (٩) - رضي الله عنهما - وأن سعيد بن العاص (١٠) سأل عنها أبا سعيد الخدري (١١) فعلّمه فأقامها (١٢)، وروي عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "أنّه صلى صلاة الخوف بأصبهان (١٣) " (١٤)، وسعيد بن أبي العاص حارب المجوس بطبرستان (١٥)، ومعه الحسن بن علي، وحذيفة بن اليمان (١٦)، وعبد الله بن عمرو بن العاص (١٧)، وصلّى بهم صلاة الخوف، ولم ينكر عليهما أحد (١٨)، فحلّ محلّ الإجماع (١٩).


(١) [ساقط] من (ب).
(٢) في (ب): "شيخ".
(٣) ينظر: الفتاوى الهندية: ١/ ١٥٤.
(٤) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٤٧.
(٥) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٨.
(٦) سورة النساء من الآية: (١٠٢).
(٧) قال القرطبي: هذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة، ومثله قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} هذا قول كافة العلماء. وشذ أبو يوسف وإسماعيل بن علية فقالا: لا نصلي صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الخطاب كان خاصًّا له بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ … فِيهِمْ} وإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في ذلك، وكلهم كان يحب أن يأتم به ويصلي خلفه، وليس أحد بعده يقوم في الفضل مقامه، والناس بعده تستوي أحوالهم وتتقارب؛ فلذلك يصلي الإمام بفريق ويأمر من يصلي بالفريق الآخر، وأما أن يصلوا بإمام واحد فلا. وقال الجمهور: إنا قد أمرنا باتباعه والتأسي به في غير ما آية وغير حديث. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ٥/ ٣٦٤.
(٨) عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهري القرشي، وهو من السابقين إلى الإسلام. وتوفي بطاعون عمواس ودفن في غور بيسان، وانقرض عقبه. له ١٤ حديثًا. ينظر: التاريخ الكبير: ٦/ ٤٤٤، الإصابة في تمييز الصحابة: ٣/ ٥٦٨، تهذيب الكمال: ١٤/ ٥٢.
(٩) ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط ٢/ ٨٢.
(١٠) سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، الأموي القرشي: صحابي، من الأمراء الولاة الفاتحين. ربي في حجر عمر بن الخطاب. قيل: توفي سنة ٥٣ هـ. وقيل: ٥٩ هـ. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ١٥٦، الإصابة في تمييز الصحابة: ٣/ ١٠٧.
(١١) سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد: صحابي، أسلم قديمًا، وروى عنه أحاديث كثيرة. توفي في المدينة سنة ٧٤ هـ. وله ١١٧٠ حديثًا. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة: ٣/ ٧٨، تهذيب التهذيب: ٣/ ٤١٦، تهذيب الكمال: ١٠/ ٢٩٤.
(١٢) ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط: ٢/ ٨٢.
(١٣) أصبهان: ليست هذه الباء بخالصة ولذلك يكتبها بعض الناس بالفاء وهي مكسورة الأول، سميت بأصبهان بن نوح وهو الذي بناها، وقيل سميت أصبهان لأن اصبه بلسان الفرس البلد وهان الفرس، معناه بلد الفرسان. ولم يكن يحمل لواء الملك منهم إلا أهل أصبهان لنجدتهم وكانوا معروفين بالفروسية والبأس، وهي من بلاد فارس، وهما مدينتان بينهما مقدار ميلين إحداهما تعرف باليهودية وهي أكبرهما، والثانية تعرف شهرستان وفي كل واحد منهما منبر، واليهودية مثلي شهرستان في المساحة، وهما أخصب مدن الجبال وخراسان. ينظر: الروض المعطار: ص ٤٣.
(١٤) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ٢٥٢ - ٥٨٠٤)، من حديث أبي العالية.
(١٥) طبرستان بلاد معروفة، والعجم يقولون مازندران، وهي بين الري وقومس وبحر الخزر. أرضها كثيرة الأشجار والمياه والأنهار إلا أن هواءها وخم جدًا. ينظر: الروض المعطار: ص ٣٨٣.
(١٦) حذيفة بن حسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله، واليمان لقب حسل، كان صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره. توفي في المدائن سنة ٣٢ هـ، له في كتب الحديث ٢٢٥ حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٨٠، التاريخ الكبير: ٣/ ٩٥، الإصابة في تمييز الصحابة: ٢/ ٤٤.
(١٧) عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، أسلم قبل أبيه، وقيل: توفي سنة ٦٥ هـ، وله ٧٠٠ حديث. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٢١١، التاريخ الكبير: ٥/ ٥، الإصابة في تمييز الصحابة: ٤/ ١٩٢.
(١٨) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ٢٥٢ - ٥٨٠٢)، من حديث سليم بن عبيد.
(١٩) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٩٨، ٩٩.