للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأنَّ الشَّهادة خبرٌ محتمل للصدق والكذب، فإنَّما يكون حُجَّة إذا ترجَّح جانبُ الصِّدق فيه، وعند ظهور سبب التُّهمة لا يترجَّح جانب الصِّدق، ثم (تمكَّن).

[التهمة وأنواعها في الشهادة]

التُّهمة أنواعٌ، تارةً تكون لمعنى في الشَّاهد وهو الفسق؛ لأنَّه لما لم ينزجر عن ارتكاب محذور دينه مع اعتقاد حرمته، يُتَّهم بأنَّه لا ينزجرُ عن شهادة الزُّور، وقد تبين أنَّ العدالة شرطٌ للعمل بالشَّهادة» (١).

«وقد تكون التُّهمة لمعنى في المشهود له، وهو وصلة خَاصَّة بينه وبين الشَّاهد، تدل على إيثاره على المشهود عليه، وذلك شيء يُعرف بالعادة، كما في قرابة الولاء.

وقد تكون التُّهمة لمعنىً في الشَّاهد، قد لا يقدح في عدالته وولايته وهو العمى؛ فليس للأعمى آلة التمييز حقيقةً، وذلك يُمكن تهمته الغلط في الشَّهادة، فتهمة الغلط وتهمة الكذب سواءٌ.

[في قبول شهادة الأعمى]

وقد تكون تهمة الكذب مع قيام العدالة بدليل شرعي، وهو حق المحدود في القذف بعد التَّوبة، فقد جعل الله عجزه عن الإتيان بأربعة من الشُّهداء دليل كَذِبه بقوله: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (٢)»، كذا في المبسوط (٣).

«وقال أبو يوسف والشّافعي (٤) - رحمهما الله-: يجوز إذا كان بصيراً وقت التَّحمل» (٥)؛ أي: يجوز شهادته فيما يثبت بالتَّسامع، وفيما لا يثبت بالتَّسامع.

وحاصل ذلك أنَّ الاختلاف في شهادة الأعمى في أربعة مواضع:

أحدها: في مطلق الشَّهادة، وفيه خلاف مالك، فإنَّ عنده تُقبَل شهادته، سواءٌ كان ذلك مما يثبت بالتَّسامع أو لا، وسواءٌ كان أعمى وقت التَّحمُّل أم لا، وسواءٌ كان فيما لا يحتاج إلى الإشارة كالمنقول، أو لا يحتاج إليها كالعقار (٦).

والثاني: «فيما يجري فيه التَّسامع» (٧)، حيث تُقبَل فيه شهادة الأعمى عند زُفر (٨)، وعندنا لا تُقبَل (٩).


(١) يُنظر: المبسوط (١٦/ ١٢١).
(٢) سورة النور: آية ١٣.
(٣) المبسوط (١٦/ ١٢١).
(٤) ينظر: الحاوي الكبير (١٧/ ٤٧)، نهاية المطلب (١٨/ ٦١٦).
(٥) المسألة بتمامها في الهداية (٣/ ١٢١): «قال: ولا تقبل شهادة الأعمى، وقال زفر/ وهو رواية عن أبي حنيفة/: تقبل فيما يجري فيه التسامع؛ لأنَّ الحاجة فيه إلى السماع ولا خلل فيه. وقال أبو يوسف والشافعي … ».
(٦) يُنظر: القوانين الفقهية (١/ ٢٠٣)، التاج والإكليل (٨/ ١٦٧)، مواهب الجليل (٦/ ١٥٤)، منح الجليل (٨/ ٣٩٦).
(٧) الهداية (٣/ ١٢١).
(٨) زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، من تميم، أبو الهذيل الكوفي: فقيه كبير، علامة، من أصحاب الإمام أبي حنيفة، أصله من أصبهان، أقام بالبَصرة وولي قضاءها وتوفي بها، وهو أحد العشرة الذين دوَّنوا الكتب جمع بين العلم والعبادة، وكان من أصحاب الحديث فغلب عليه الرأي، توفي سنة ١٥٨ هـ.
يُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (٨/ ٣٨)، الجواهر المضية (١/ ٢٤٣)، تاج التراجم (١/ ١٦٩)، الأعلام (٣/ ٤٥).
(٩) يُنظر: المبسوط (١٦/ ١٢٩)، الهداية شرح البداية (٣/ ١٢١)، الاختيار لتعليل المختار (٢/ ١٤٦)، العناية شرح الهداية (٧/ ٣٩٧).