للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: إذا كان بصيراً وقت التَّحمُّل وعَمِيَ وقت الأداء، فعند/ أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- لا تُقبَل، وعند أبي يوسف والشافعي تُقبَل (١).

والرابع: أنَّه إذا عَمِيَ بعد الأداء في غير الحدود، والقصاص، فعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-يمتنع القضاء خلافاً لأبي يوسف على ما ذكره في الكتاب. كذا في المبسوط (٢).

وذكر في الذَّخيرة بعد ما ذكر عدم قَبُوله شهادة الأعمى في شيء من الحقوق:

«هذا إذا تحمَّل الشَّهادة وهو أعمى، وشهد وهو أعمى.

فأمَّا إذا تحمل الشَّهادة وهو بصير، ثم أدَّى وهو أعمى؛ هل تُقبَل شهادته عند علمائنا.

أجمعوا على أنَّه في المنقول لا تُقبَل؛ لأنَّ الإشارة إلى المنقول شرطٌ لصحة الشَّهادة، ولا يقوم الوصف مقام الشَّهادة عندهم جميعاً ولا غيره لإشارة الأعمى؛ لأنَّه لا يعاين المشهود به؛ فصار وجود الإشارة منه وعدمه بمنزلة، وبدون الإشارة لا تُقبَل الشَّهادة في المنقول.

أمَّا إذا كان المشهود به دَيناً، أو عقاراً اختلفوا فيه.

قال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله-: لا تُقبَل هذه الشَّهادة؛ فأبو يوسف - رحمه الله - جعل العَمَى مانعاً صحَّةَ التَّحمُّل؛ فأمَّا إذا صَحَّ التَّحمُّل من البصير فالاحتراز عن العمى غير ممكن لصاحب الحق، فقام الاسم والنِّسبة حالةَ الأداء مقام الإشارة كما في الميِّت والغائب.

واحتج أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله- بما رُوي عن علي -رضي الله عنه- أنَّه ردَّ شهادة الأعمى (٣)، ولم يفصِّل، ولم يستفسر أنَّه تحمَّل وهو بصيرٌ، أو أعمى؛ فدل أنَّ الحكم لا يختلف» (٤).

ثم قال بعد خطوط: «وقال مشايخنا: وهذا كله فيما لا تجوز الشَّهادة عليه بالشُّهرة والتَّسامع؛ أمَّا فيما يجوز الشَّهادة بالشُّهرة والتَّسامع شهادة الأعمى مقَبُولةٌ بلا خلاف» (٥).

قوله - رحمه الله - «وقال أبو يوسف والشافعي (٦) [رحمهما الله] (٧): يجوز إذا كان بصيراً وقت التحمل» (٨).


(١) يُنظر: بدائع الصنائع (٦/ ٢٦٦)، تحفة الفقهاء (٣/ ٣٦٢)، البناية شرح الهداية (٩/ ١٣٤)، الحاوي الكبير (١٧/ ٤٣).
(٢) يُنظر: المبسوط (١٦/ ١٢٩).
(٣) الأثر: عن الأسود بن قيس: أن أبا بصير شهد عند علي وهو أعمى؛ فرد شهادته.
أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (٦/ ٢٥٨)، رقم (٢١٣٤٩).
(٤) المحيط البرهاني (٨/ ٣٢٢ - ٣٢٣).
(٥) المحيط البرهاني (٨/ ٣٢٣).
(٦) ينظر: الحاوي الكبير (١٧/ ٤٧)، نهاية المطلب (١٨/ ٦١٦).
(٧) سقط من: «س».
(٨) الهداية (٣/ ١٢١).