للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«ثم بماذا يعرف أنَّه كان بصيراً وقت التحمُّل، فإن قول الشَّاهد في ذلك غير مقبول؛ لأن كونه أعمى مما لا يدخل تحت قضاء القاضي، فلا يقبل في مثل الشَّهادة، وقول المدَّعى كذلك والمدعى عليه منكر للمشهود به أصلاً.

قالوا: ويُتصور هذا فيما إذا جاء وهو بصير ليؤدِّي الشَّهادة، فلم يتفرغ القاضي لسماع شهادته حتى عمي، أو كان القاضي يعرف الوقت الذي عمي [فيه] (١)، وتاريخ المدَّعى سابق على ذلك». كذا في المبسوط (٢).

كما في الشَّهادة على الميِّت، بأن شهد على الميت في دين لفلان يقبل بالاتفاق إذا ذكرا نسبته.

«فجواب أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- عن مسألة الموت أنَّ ذلك لا يمكن التحرُّز عنه بجنس الشُّهود؛ لأنَّ المدَّعى وإن استكثر من الشُّهود يحتاج إلى إقامة الاسم والنسبة مقام الإشارة عند موت المشهود عليه، أو غيبته، على أن هناك الإشارة تقع إلى وكيل الغائب ووصي الميت، وهو في ذلك قائم مقامه». كذا في المبسوط (٣).

«ولنا أنَّ الأداء يفتقر إلى التمييز» (٤)، إلى أن قال: «ولا يميز الأعمى إلا بالنَّغمة» (٥).

«وفيه شبهةٌ» (٦)؛ أي: وفي النَّغمة شبهة على تأويل الصَّوت، كما أنَّ الصوت لو ثبت بتأويل الصحَّة أو النغمة، فكذلك يذكر النغمة بتأويل الصوت.

فإن قلت: صلحت النغمة للتمييز بين شخص وشخص فيما هو أعظم خطراً من الأموال في حق الأعمى، حتى إنَّ الأعمى يباح وطء زوجته وجاريته، ولا يميزهما عن غيرهما إلا بالصَّوت والنغمة، فلأنْ تصلح النغمة بالتمييز في الأموال في الشَّهادة أولى؛ لما أنَّ أمر الفروج أعظم خطراً من الأموال (٧).

قلتُ: ففي لفظ الكتاب بقوله: «وفيه شبهة، يمكن التحرُّز عنها بجنس الشُّهود» (٨).

ووقع الاحتراز عن مسألة الوطء لما أنَّ الضرورة تتحقق في حق الوطء للأعمى، فإنَّ الأعمى يحتاج إلى قضاء الشهوة، وبقاء النسل كالبصير، ولا ضرورة هنا، فإنَّ في الشُّهود والبصراء كثرة يكتفى بهم عن شهادة الأعمى، ولأنَّ في أصل الوطء هناك يجوز أن يعتمد فيه خبر الواحد، فإنَّه إذا أخبر أنَّ هذه امرأته، وقد زُفَّت إليه حلَّ له وطؤها، وإن لم يكن عاين امرأته، وكذلك إذا وجد امرأةً نائمةً على فراشه ليلاً، فظن أنَّها امرأته حلَّ له وطؤها. كذا في المبسوط (٩)، والأسرار.


(١) في «س»: [هو فيه].
(٢) المبسوط (١٦/ ١٣٠).
(٣) المبسوط (١٦/ ١٣٠).
(٤) تمام المسألة في الهداية (٣/ ١٢١): «ولنا أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه، ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة».
(٥) الهداية (٣/ ١٢١).
(٦) الهداية (٣/ ١٢١).
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٩٨).
(٨) الهداية (٣/ ١٢١).
(٩) المبسوط (١٦/ ١٣٠).