للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -رحمه الله-: (إذا مر على العاشر بمال) (١) أراد به الأموالَ الباطنةَ فإنَّ في الأموالِ الظاهرةِ، وهي السَّوَائِم لا يحتاجُ العاشرُ إلى مرورِ صاحب المالِ عليه في ثبوتِ ولايةِ الأخذِ له، فإنهُ يأخذ عُشر الأموالِ الظاهرةِ منه، وإنْ لم يمَّر صاحبُ المالِ عليه (٢).

وأما في الأموال الباطنةِ (٣) فإنّ حقَّ الأداءِ إلى الفقيرِ لصاحبِ المالِ لا للعاشر؛ لأنها غيرُ محتاجةٍ إلى الحَماية، فإنْ أخرجَ الأموالُ الباطنةَ إلى المفاوزِ احتاج إلى حمايةِ السلطانِ، فصارتْ كالسَّوَائِم حينئذٍ، والعاشرُ مَنْ نَصَّبهُ الإمامُ على الطريقِ؛ ليأْخُذَ الصدقاتِ من التُّجارِ (٤)، وزاد في "المَبْسُوط" (٥) قيدًا آخر، فقال: (هو مَنْ يُنصِبُه الإمامُ على الطريقِ ليأخذَ الصدقاتِ من التجار) (٦)، ويأمنَ التجارُ بمقامهِ منِ اللصوصِ (٧).

[[ضوابط أخذ العاشر]]

قلت: لابَّد منِ هذا القيد لمعنيين: أحدهما: أنَّ وِلاية الأخذ للعاشِر بسبب الحِماية، والحفظِ خصوصًا في الأموال الباطنة، والحماية إنما تكونُ عند الأمنِ من اللصوص.

والثاني: أنَّ أخذَهُ من الحربي والذِّمِّي لا للصدقاتِ من الأموال كلِّها بل للحمايةِ محضًا، فلاُبَّد من ذِكر لفظٍ يُشير إلى الحماية، ولا تستفاد هي إِلاَّ بذلك القيدِ، وقد اندرجَ فيما ذكرتُ جوابَ السؤالين في قولهِ: والعاشرُ مَنْ ينصبِّهُ الإمام على الطريق؛ ليأخذ الصدقاتِ أحدُهما أنَه كيف سمّاهُ عاشرًا وهو يأخذُ رُبع الْعُشْرِ من المسلمِ، والثاني: كيف قالَ ليأخذَ الصدقاتِ وهو يأخذُ من الكافرِ أيضًا، ولا يكونُ ما أدّاه الكافرُ صدقةً، فمن أنكرَ منهم تمامَ الحول، أيْ: في قوله: (أصبْتُ منذ] شهر (٨) (٩) (أو الفراغ مِن الدَّيْنِ) (١٠)، أي: أنكرَ الفراغَ من الدَّيْنِ في قوله: أو عليّ دَيْنُّ، فإن قِيل: إنكارُ الفراغ من الدَّيْنِ في قوله: عليّ دينَ ظاهرٌ، وأما فَي قولهِ: (أصبْتُ منذ شهرٍ) كيف يُراد به ما دُونَ الحوْلِ، قلنا: الأشهرُ تقُع على الْعُشْرِةِ فما دونها؛ لأنها جمع قِلّة (١١)؛ فإنّ أوزانها أربعةٌ: أَفعْل، وأَفعال، وأفعِلة، وفِعْلة.


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٢) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٥٣٧)، المَبْسُوط (٢/ ٣٥٩).
(٣) هي: النقود وعروض التجارة إذا لم يمر على العاشر لأنها بالإخراج تلتحق بالأموال الظاهرة. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين: (٢/ ٢٨٩).
(٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٢٤).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٦١).
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٥).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٥٩).
(٨) في (أ) (أشهر) وفي (ب): (شهراً) وما اثبته موافق للسياق وموافق لما ورد في الجامع الصغير (ص ١٢٧).
(٩) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(١٠) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٥).
(١١) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٣/ ١٣٢).