للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان متصوّرًا ينعقد اليمين وذلك لأنّ الإيجاب من العبد معتبر بالإيجاب من الله تعالى، واليمين جهة في إيجاب البر والإيجاب من الله تعالى يعتمد التصوّر دون القدرة فيما له خَلَفٌ، ألا ترى أنّ الصّوم واجب على الشّيخ الفاني وإن لم يكن له قدرة، لمكان التصور والخلف؟ فكذلك ههنا حنث عقيب وجوب البر فوجب الكفارة للعجز الثّابت عادة كما وجبت الفدية هناك عقيب وجوب الصّوم كذا في الفوايد الظهيريّة (١).

[باب اليمين في الكلام]

لما ذكر بيان أيمان السُّكنَى والدُّخُولِ والخُرُوجِ والأَكلِ والشُّربِ للمعنى الذي ذكرنا. شرع في بيان الفعل الجامع الذي يستتبع الأبواب المتفرّقة، وهو الكلام إذ اليمين في العتق والطّلاق والبيع والشّراء واليمين في الحج والصّوم والصّلاة من أنواع الكلام فذِكرُ الجِنس مقدم على ذكر النوع.

قوله: (ومن حلف لا يكلم فلانًا فكلّمه وهو بِحَيثُ يسمع إلا أنّه نائم حنث).

اعلم أن التّكليم عبارة عن إسماعه كلامه كما في تكليم نفسه، فإنّه عبارة عن إسماع نفسه إلا أن إسماع الغير أمر باطن لا يوقف عليه، فأقيم السّبب المؤدّي إليه مقامه، وهو أن يكون بحيث لو أصغى إليه إذنه ولم يكن به مانع من السّماع ليسمع ودار الحكم معه وسقط اعتبار حقيقة الإسماع كذا في مبسوط شيخ الإسلام -رحمه الله- (٢).

وذكر في الذّخيرة (٣): ولا يحنث حتّى يتكلّم بكلام مستأنف بعد اليمين منقطع عنها، فإن كان موصولًا لم يحنث، نحو أن يقول: إن كلمتكِ فأنتِ طالقٌ فاذهبي أو قومي؛ لأنّ هذا من تمام الكلام الأول، فلا يكون مرادًا باليمين، وكذلك إذا قال: [واذهبي] إلا أن يريد بهذا كلامًا مستأنفًا فعلى هذا لو قال الرجل لغيره: إن ابتدأتك بالكلام فعبدي حرّ فالتقيا وسلّم كلّ واحد منهما صاحبه معًا، لم يحنث الحالف فيه؛ لأنّ شرط الحنث كلام موصوف بصفة البداية والبداية بالسّبق والحالف إن كلمه بالسّلام إلا أنّه لم يسبقه، وتسقط اليمين عن الحالف بهذا الكلام حتّى لا يحنث أبدًا، بحكم هذه اليمين، لوقوع اليأس عن كلامه بصفة البداية؛ لأنّ كلّ كلام يوجد بعد هذا من الحالف إنّما يوجد بعد كلام المحلوف عليه.

وعن هذه المسألة قلنا: إن الرّجل إذا قال لامرأته إن ابتدأتك بكلام فأنت طالق، وقالت المرأة له: إن ابتدأتك بكلام فجاريتي حرّة، ثمّ إنّ الزوج كلّمها بعد ذلك، لا يحنث في يمينه؛ لأنّ المرأة كلمته بعد يمينه يحنث، قالت إن ابتدأتك بكلام فلا يكون الزّوج مبتدئاً لها، ثم المرأة بتكلّمها لا تحنث في يمينها أيضاً؛ لأنّها ما ابتدأت بالكلام.


(١) انظر: العناية (٥/ ١٤٢).
(٢) انظر: الأصل (٣/ ٣٨٠).
(٣) انظر: المحيط البرهاني (٤/ ٢٣٥).