للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[في شهادة الوالد لولده والولد لأبويه]

وأمَّا لو قذف الكافر مسلماً، ثم أسلم فَحُدَّ في حال إسلامه، لا تقبل شهادته، ولو حُدَّ بعض الحد في حال كفره، وبعضه في حال إسلامه، ففيه اختلاف الروايتين، وقد ذكرناه في حد القذف (١).

«ولا شهادة الوالد لولده، ولا شهادة الولد لأبويه» (٢).

ومالك يخالفنا فيه، فيُجَوِّز شهادة الوالد لولده، وشهادة الولد لوالده في الطرفين جميعاً، بالقياس على شهادة كل واحد منهما على صاحبه؛ وهذا لأنَّ دليل رجحان الصدق في خبره انزجاره عما يعتقد حرمته، ولا فرق في هذا بين الأقارب والأجانب، ولهذا قبلت شهادة الأخ لأخية (٣).

ولكنَّا نستدل بالحديث المذكور في الكتاب.

«ورُوى أنَّ الحسن شهد لعلي -رضي الله [عنه] (٤) - مع قُنبَر عند شريحٍ بدرعٍ له، قال شريح: إيت بشاهدٍ آخر، فقال علي -رضي الله عنه- مكان الحسن، أو مكان قنبر؛ بل، قال: لا، بل مكان الحسن، قال أما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٥) يقول: «الحسن والحسين هما سيدا شباب أهل الجنة»؟ (٦)، فقال: قد سمعتُ؛ ولكن إئت بشاهدٍ آخر، فعزله عن القضاء، ثم أعاده عليه، وزاد في رزقه؛ فدل أنَّه كان ظاهراً فيما بينهم أنَّ شهادة الولد لوالده لا تقبل، إلا أنَّه وقع لعلي أنَّهما مخصوصان عن الجملة بتلك الفضيلة التي ذكر بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنَّهما سيدا شباب أهل الجنة»، في انتفاء التهمة عنهما بهذه الفضيلة، ولذلك المعنى جوَّز شهادته لنفسه.


(١) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٣٩)، فتح القدير (٧/ ٤٠٣).
(٢) الهداية (٣/ ١٢٢).
(٣) قال في تهذيب المدونة (٤/ ٢١): «ولا تجوز شهادة الأبوين أو أحدهما للولد، ولا الولد لهما، ولا أحد الزوجين لصاحبه، ولا الجد لابن ابنه ولا الرجل لجده، ولا تجوز في أحد من هؤلاء شهادة للآخر في حق، أو تزكية، أو في تجريح من شهد عليه، وتجوز شهادة الأخ لأخيه، والرجل لمولاه ولصديقه الملاطف، إلا أنْ يكون في عياله أحد من هؤلاء يمونه، فلا تجوز شهادته له».
وانظر: المدونة الكبرى (٤/ ٢١)، والقوانين الفقهية لابن جزي (ص ٢٠٣)، والتاج والإكليل (٦/ ١٥٥)، ومنح الجليل (٨/ ٣٩٤).
(٤) في «س»: [عنهما].
(٥) في «س»: [عليه السلام].
(٦) أخرجه: أحمد في المسند (٣/ ٣/ رقم ١١٠١٢)، والترمذي في سننه (٥/ ٦٥٦)، كتاب المناقب، باب مناقب الحسن و الحسين عليهما السلام، رقم (٣٧٦٨)، وقال: «حديث حسن صحيح»، وابن ماجه في سننه (١/ ٤٤)، كتاب الفضائل، باب فضائل علي بن أبي طالب، رقم (١١٨)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢/ ٤٢٣)، رقم (٧٩٦)، والحديث مروي بألفاظ وطرق كثيرة، معظمها صحيح.