للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وإن ورث أحدهما عرضًا لا تفسد به المفاوضة) وكذا لو ورِث دَينًا، وهو دراهم أو دنانير، لا تفسد به المفاوضة مالم يقبض الدُّيون؛ لأنَّ هذه المفاوضَة لا تمنع ابتداءً فكذا لا تفسد بقاء ذلك (١)؛ كذا في الإيضاح، [والله أعلم بالصواب] (٢).

فصلٌ:

لما ذكر اشتراط المساواة في شركة المفاوضة في رأس المال وربحه، احتاج إلى بيان ما يصلح مِن الأموال لرأس مال الشّركة، فبيَّنه في هذا الفصل فقال: (ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة).

[[ما تنعقد به الشركة]]

فإنْ قلت: فقد ذكر في المبسوطأنَّ شركة الوجوه وشركة التقبُّل كلُّ واحد منهما يكون مفاوضة وعِنانًا (٣) وأشار إلى ذلك في الكتاب أيضًا (٤)، فبعْد ذلك كان ورود الشُّبهة من وجهين:

أحدهما: أنَّ هذا اللّفظ يقتضي أنْ لا تنعقِد (٥) المفاوضة والعِنان بدون الدَّراهم والدّنانير؛ لأنَّهما مِن شركة العقود، فلمَّا جوّز المفاوضة والعِنان في المبسوط في شركة الوجوه والتقبُّل كان مجوِّزًا للمفاوضة والعِنان بدون الماللأنَّه لا يُشترط المال في شركة الوجوه والتقبُّل.

والثاني: أنَّ هذا اللَّفظ يقتضي أنْ لا يجوز شركة الوجوه، والتقبُّل بدون الماللأنَّهما من الشركة، وهذا اللفظ يقتضي استغراق عدَم الجواز في الشركات كلِّها بدون هذه الأموال المعينة. ولا يجوز العناية؛ بأنَّ المراد بقوله: (ولا تنعقد الشركة) أي: شركة المفاوضة وحرف التَّعريف للعهد لما أنّ السّباق والسّياق في ذكر المفاوضةلأنَّا نقول المفاوضة تجّوز في شركة الوجوه والتقبَّل، ولا يُشترط فيهما المال فضلًا عن الأموال المعينة، فلا فائدة إذًا في تعيين المفاوضة بهذا اللفظ.

قلتُ: المراد من قوله: (ولا تنعقد الشركة) أي: شركة المفاوضة؛ لأنَّ الكلام إلى هذا الفصل كان في أحكام المفاوَضة، ثُمَّ بدأ بعد هذا أيضًا ببيان شركة العِنان بقوله: (وأما شركة العِنان … ) إلى آخره.

وذكر بعده (ولا يصحُّ) أي: شركة العِنان (إلا بما بينا) أنَّ المفاوضة تَصحُّ به، وهذا نصفي الباب على أنَّ المراد بقوله: (ولا تنعقد الشركة) شركة المفاوضة.

فبعد ذلك معنى قوله: (ولا تنعقد الشركة) أي: شركة المفاوضة، إذا ذكر فيها المال لا تنعقد إلا بهذه الأموال، وهي الدَّراهم والدنانير، لا أنْ يكون ذكر المال مشروطًا فيها لا محالة، بل معناه: إذا (٦) ذكر فيها المال يجِب أنْ يكون ذلك المال مِن الدَّراهم والدَّنانير. فكان هذا نظير قوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا مهر أقلّ من عشرة دراهم" (٧) أي: لو ذكر المهر في النِّكاح يجب أنْ لا يذكر أقلّ مِن عشرة دراهم، لا أن يكون انعقاد النكاح موقوفًا إلى ذكر عشرة دراهم مِن المهر، بل معناه: لو ذكر المهر في النكاح.


(١) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ١٦٦).
(٢) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٣) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ١٦٧).
(٤) ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ١٢).
(٥) في (ب) "ينعقد".
(٦) في (ب) "وإذا".
(٧) أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب النكاح، باب المهر، برقم (٣٦٠٦) ٤/ ٣٦٠.
عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ: "لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ".
قال ابن عبد الهادي: غياث ابن ابراهيم قال عنه أحمد، والبخاري، والدارقطني إنه متروك، وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث. تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (٤/ ٣٧٩).