للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاسن ذِكْر الأشربة]

ثم محاسن الأشربة ظاهرة، فإنّ المقصود من ذكر الأشربة بيان حرمتها لمعنى أنّها مزيلة للعقل، ولا شبهة لأحد في حُسْنِ تحريم ما يزيل العقل خصوصاً في حقّ هذه الأمّة، فإن العلماء استنبطوا من كتاب الله تعالى ينابيع الحِكَم وكشفوا عن دقائقها غُمَّةَ الظُّلَم [فكانوا] (١) إلى عقولهم أحوج من غيرهم (٢).

[شبة عدم تحريم الخمر على جميع الخَلْق]

فإن قيل: هلاَّ حُرِّمَت الخمرُ عن الخلق أجمع؛ إذ كُلٌّ محتاج إلى الاستدلال، ولا يتهيأ ذلك إلا بالعقل؟

قلنا: إنّ الأمم الماضية كانت أعمارهم طويلة، وأبدانهم جسيمة، فكانت تحتمل آفة الشّراب ولا يتسارع إليهم السُّكْر، فكان في الحِلِّ صلاحُهُم من تقوية الأبدان وبقاء العقول، وأما هذه الأُمَّة فقصيرة الأعمار، ضعيفة الأفكار، يتسارع إليهم السُّكْر بشُرْبِ شيء منه، فحُرِّمَ القليل لئلا [يدعو] (٣) شُرْبُ القليل إلى شُرْبِ الكثير، فلذلك كان صلاحُهُم في حُرْمة الخمْر (٤).

[[شبهة عدم تحريم الخمر في ابتداء الإسلام]]

فإن قيل: {هلاَّ} (٥) حُرِّمَت الخَمْر في ابتداء الإسلام مع وجود هذه الحكمة؟

قلنا: أباح في ابتداء الإسلام [لِيُعايِنُوا] (٦) الفساد في الخمر، حتّى إذا حُرِّمَ عليهم عرفوا [مِنْهُ الحقَّ] (٧) لديهم، وليس الخبر كالمعاينة، رُوِيَ أن أصحاب رسول الله -عليه السلام- قد شَرِبُوا في بعض الأوقات فنزل بهم من البغضاء والآفات حتّى تضرّع عمر -رضي الله عنه- بالدّعوات ليلحق الخمر بالمحرمات، فأجاب الله تعالى دعاءَه (٨)، و [أشاع] (٩) في الخلق بهجتَه وبهاءَه (١٠).

ثم يُحْتاجُ ههنا إلى معرفة الشّراب لُغَةً وشرعًا، وإلى معرفة الأصول التي يُتَّخَذ منها الأشربة، وإلى معرفة الخمر ومعرفة ما سواها من الأشربة.


(١) في (ب): (وكانوا).
(٢) يُنْظَر: تكملة فتح القدير (١٠/ ٨٩)، العناية شرح الهداية (١٠/ ٨٩)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (٢/ ٥٦٨).
(٣) في (ب): (يدعوا).
(٤) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٢/ ٣٤٢).
(٥) سقطت من (ب).
(٦) في (أ): (لِتُعايِنُوا).
(٧) في (أ): (مِنَّةَ الحَقِّ).
(٨) يأتي تخريجه عند مسألة: الأدلة من الكتاب على تحريم الخمر وعينها.
(٩) في (أ): (شاع).
(١٠) يُنْظَر: تكملة فتح القدير (١٠/ ٨٩)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٣٤٢).