للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحديث لم يتعرض لبيع القاء الحجر، ولكن الحق هو بيع الملامسة والمنابذة بطريق الدلالة (ولأن فيه تعليقاً بالحظر). لأنه صار بمنْزلة ما إذا قال البائع للمشتري: أي ثوب ألقيت الحجر عليه فقد بعته، فكان فيه تعليق البيع بإلقاء الحجر، وكذلك في غيره (١).

[[بيع الكلأ وإجارته]]

الكلأ "واحد الأكلاء، وهو ما رعته الدواب من الرطب واليابس "كذا في المغرب (٢) والمراد الكلأ، وإنما احتاج إلى هذا التفسير؛ لأن لفظ المرعى يقع على موضع الرعي، وهو الأرض، وعلى الكلأ، وعلى مصدر رعي كالرعي، كذا في الصحاح (٣) (٤)، ولو لم يفسر بالكلأ لوقع على أرضه، وهو لا يصح؛ لأن بيع الأراضي جائز، سواء كان فيه الكلأ، أو لم يكن؛ لاشتراك الناس فيه بالحديث، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «الناس شركاء في الثلاث: الماء، والكلأ، والنار» (٥).

فالمشتري لم يستفد (٦) بهذا العقد شيئاً لم يكن فيبطل، ومعنى الحديث أي "لهم الانتفاع بضوءها والاصطلاء (٧) بها، والشرب، وسقي الدواب، والاستقاء من الآبار والحياض والأنهار المملوكة، والاحتشاش من الأراضي المملوكة، وله أن يمنع أحداً من الدخول في أرضه، فإذا منعه (٨) لغيره أن يقول له: وإن لي في أرضك حقاً، فإما أن توصلني إلى حقي، أو تحتشه فتدفعه إليَّ، أو تدعني آخذ، كثوب لرجل (وقع في دار رجل) (٩)، وكذا حوض (١٠) في كرم (١١)، وإن باعه بعدما أحرزه جاز؛ لأنه صار أخص به من غيره، فجاز بيعه"، كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام التمرتاشي (١٢).


(١) قال في الهداية: "قال: (ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين)؛ لجهالة البيع، ولو قال: على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء جاز البيع استحساناً، وقد ذكرناه بفروعه". الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٧٦).
(٢) المغرب في ترتيب المعرب (٢/ ٢٢٨).
(٣) سقط من (ب).
(٤) مختار الصحاح (ص: ١٢٥).
(٥) أخرجه أحمد في مسنده، برقم (٢٣٠٨٢)، (٣٨/ ١٧٤)، وابن ماجه، كتاب الرهون، باب: المسلمون شركاء في ثلاث، رقم (٢٤٧٢)، (٣/ ٥٢٨)، والبيهقي في الصغرى، كتاب البيوع، باب ما لا يجوز إقطاعه من المعادن الظاهرة، رقم (٢١٩٦)، (٢/ ٣٢٩)، وكذا في الكبرى، كتاب إحياء الموات، باب ما لا يجوز إقطاعه من المعادن الظاهرة، رقم (١١٨٣٢)، (٦/ ٢٤٨).
قال البيهقي في المعرفة: وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم ثقات، وترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إن لم يعارضه ما هو أصح منه، انتهى. وقال في الدراية: حديث: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» ابن ماجة من حديث ابن عباس بلفظ: «المسلمون» وزاده في آخره: «وثمنه حرام». وأخرجه الطبراني من حديث ابن عمر، بغير الزيادة، وأبو داود من طريق جرير بن عثمان، عن حبان بن زيد أبي خداش، عن رجل من الصحابة قال: غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً، أسمعه يقول … فذكر مثله، وأخرجه أحمد، وابن أبي شيبة، وابن عدي، ورجاله ثقات. نصب الراية (٤/ ٢٩٤)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ٢٤٦).
(٦) "يقصد" في (ج).
(٧) والصلاء: الاصطلاء بالنار، وأصليته إصلاءً، صلا النار والتسخن بها. جمهرة اللغة (٢/ ١٠٧٧)، النهاية في غريب الحديث والأثر (٣/ ٥١).
(٨) "كان" في (ب) وهي في هامش (أ).
(٩) في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(١٠) حوض: حوض الماء، واستحوض الماء: اتخد لنفسه حوضاً، وحوضى: موضع. والمحوض: كالحوض يجعل للنخلة تشرب منه. مجمل اللغة (ص: ٢٥٨)
(١١) الكَرْم: شجر الْعِنَب، والكَرْمُ أيضاً القِلادةُ.
جمهرة اللغة (٢/ ٧٩٨)، الصحاح (٥/ ٢٠٢٠)، مجمل اللغة (ص: ٧٨٢).
(١٢) شرح فتح القدير (٦/ ٣٨٤).