للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصلاة في المسجد - ركعتين بعد السعي]

فإذا فرغ من السعي يدخل المسجد، ويصلي ركعتين كذا في «فتاوى قاضي خان» (١) ومثله يستعمل للإباحة، كما في قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (٢)، فاقتضى ظاهر الآية ألاّ يكون واجبًا، ولكنا تركنا هذا الظاهر في حكم الإيجاب بدليل الإجماع فبقي ما وراءه على ظاهره، وإنما ذكر هذا اللفظ،

-والله أعلم- لأن الصحابة كانوا يتحرزون عن الطواف بهما لمكان الصنمين عليهما في الجاهلية إِسَافٌ، ونَائِلَةُ (٣)، فأنزل الله هذه الآية، ثُمَّ بيّن في الآية أن المقصود حج البيت لقوله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} (٤)، فكان ذلك دليلًا على أن ما لا يتصل بالبيت من الطواف يكون تبعًا لما هو متصل بالبيت، ولا يبلغ درجة التبع درجة الأصل، فيثبت فيه (٥) صفة الوجوب لا الركنية، وهو نظير رمي الجمار من حيث إنه مقدر بعدد (٦) السبع غير مختص بالبيت، ولا يصح الاستدلال بظاهر الحديث الذي رواه؛ لأن ظاهره يدل على أن السعي مكتوب، وبالاتفاق عين السبع غير مكتوب، فإنه لو مشى في طوافه بينهما أجزأه، ولأن الحجّ فريضة ثبت (٧) بنص الكتاب يقينًا، فلا يجعل شيء ركنًا له إلا بما يوجب العلم قطعًا، والسعي يثبت بخبر الواحد فلا يصير ركنًا على ما مرّ نظيره في الصلاة، والمعنى فيه: أن السعي يؤتى به بعد الإحلال التام، فلا يكون ركنًا (٨) في/ الحجّ كالرميات، وطواف الصدر، وهذا لأن الإحرام ما شُرع إلا لأداء أركان الحجّ، ولهذا جعلنا الوقوف معظم الركنين؛ لأن الطواف يؤتى به بعد أحد الحلين، لا يتأدى السعي بلا إحرام أصلًا، وهو من أفعال الحجّ في الجملة، وأفعال الحجّ لا تتأدى إلا بإحرام علم ضرورة أنه تبع لما مضى فلا يجوز أن يكون التبع مساويًا للمتبوع في الفرضية، ولأن مبنى الحجّ على أن ركنه المقصود ينفرد بوقته كالطواف، والوقوف بعرفة، وأن ما يؤتى به في وقت الآخر يكون تبعًا؛ كالوقوف بالمزدلفة مع عرفة، فالسعي يؤتى به في وقت الطواف، بل لا وقت له، فإنه يصح مع طواف التحية، وركن الحجّ لا يخلو عن وقت معلوم من وقت الإحرام كذا في «الأسرار» (٩)، و «المبسوط» (١٠).


(١) فتاوى قاضي خان (١/ ١٤٦).
(٢) سورة البقرة من الآية (٢٣٥).
(٣) وَكَانَ إِسَافٌ وَنَائِلَةُ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ هُوَ إِسَافُ بْنُ بَغِيٍّ وَنَائِلَةُ بِنْتُ دِيكٍ فَوَقَعَ إِسَافُ عَلَى نَائِلَةَ فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا الله حَجَرَيْنِ، ذكر اليعقوبي: أن عمرو بن لحي وضع هبل عند الكعبة، فكان أول صنم وضع بمكة؛ ثُمَّ وضعوا به "إساف ونائلة"، كل واحد منهما على ركن من أركان البيت؛ فكان الطائف إذا طاف بدأ "بإساف" فقبله وختم به.
انظر: تفسير ابن كثير (١/ ٢٠٠)، وأخبار مكة للأزرقي (٢/ ٢٣).
(٤) سورة البقرة من الآية (١٥٨).
(٥) في (ج): به.
(٦) في (ب، ج): بقدر.
(٧) في (ب، ج): ثبت
(٨) السعي بين الصفا والمروة عند أبي حنيفة، ورواية عن أحمد: واجب، ويجبر بدم، وعند مالك، والشافعي، و أحمد في رواية: أنه ركن من أركان الحج لايتم إلا به، ولا يجبر بدم، وفي رواية لأحمد: أنه سنة ليس بركن ولا واجب.
انظر: بدائع الصنائع (٢/ ١٣٣)، بداية المجتهد (١/ ٣٤٤)، المجموع (٨/ ٨١)، الإنصاف (٩/ ٢٢٩).
(٩) انظر: الأسرار (ص ٥٦).
(١٠) انظر: المبسوط (٤/ ١٤).