للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا يحق للموْلَى أن وديعة العبد]

قوله: (لأن يد المحجور غير معتبرة)، فإن قلتَ: يُشكل على هذا ما ذكره في وديعة «المبسوط» (١) بقوله: (عبد استودع رجلًا وديعة، ثم غاب: لم يكن لمولاه أن يأخذ الوديعة تاجرًا كان العبد، أو محجورًا عليه؛ فلو لم يكن ليد المحجور اعتبار لَمَا اشترط حضرته، بل جعل (٢) ما أودعه بمنزلة ثوب هبت (٣) به الريح، وأَلقتْه في حِجْر رجل؛ لأن فائدة عدم اعتبار اليد هي أن (٤) يكون وجودها وعدمها بمنزلة، ولم تُجعل كذلك؛ فعُلم بهذا أن ليده اعتبارًا، وإن كان محجورًا)؛ والدليل على هذا ما ذكره الإمام الْإِسْتَرُوشَنِيِّ (٥) - رحمه الله- في «وديعة أحكام الصغار» (٦) في تعليل هذه المسألة فقال: لأن العبد آدمي له يد حكمية فلا يكون لمولاه أن يأخذ من المودَّع ما لم يحضر العبد.

قلتُ: تلك المسألة مؤوَّلة، ذَكر تأويلها في الفصل السادس (٧) عشر من وديعة «الذخيرة» (٨) فقال: وهذا إذا لم يعلم المودَّع أن الوديعة كسب العبد.

وأما إذا علم أنه كسب العبد فللموْلَى حق الأخذ، وكذلك إذا لم يعلم أنها كسب العبد (٩)، ولكن علم أنها مال الموْلَى كان للموْلَى أن يأخذ (وثبت حجره بالبيع من غيره) أي: من غير العبد، وهو المشتري أو من غير نفسه أي: نفس الموْلَى بأن بِيعَ العبد المأذون وفي يده اكتساب، فأقر بها لغير الموْلَى؛ فإنه لا يُصدَّق عليه؛ وذكر في «الأسرار» (١٠) في تعليل أبي حنيفة (١١) - رحمه الله- (وهذا بخلاف ما إذا باع الموْلَى عبده المأذون وفي يده كسب وأقر به، فإنه لا يصح؛ لأنه صار كعبد آخر فيما يجدد الملك فيه).


(١) المبسوط للسرخسي (١١/ ١٣٠ - ١٣٢).
(٢) سقطت في (أ).
(٣) في (أ) (بقيت) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (٩/ ٢٩٨).
(٤) في (أ) زيادة (جعل).
(٥) هو: مُحَمَّد بن محمود بن حسين أبو الفتح، مجد الدين الأسْرُوشَني، وقيل: الْإِسْتَرُوشَنِيِّ نسبة إلى "أسروشنة"، وهي بلدة في شرقي سمرقند، فقيه حنفي، أخذ عن أبيه، وعن صاحب الهِدَايَة، وعن السيد ناصر الدين السمرقندي، وظهير الدين مُحَمَّد بن أحمد الْبُخَارِي وغيرهم، من تصانيفه: (الفصول) في المعاملات، و (جامع أحكام الصغار) في الفروع، و (الفتاوى)، و (قرة العينين في إصلاح الدارين). انْظَر: اللباب في تهذيب الأنساب (١/ ٥٤)، تاج التراجم (ص: ٢٧٩)، الفَوَائِد البهية (ص ٢٠٠)، معجم المؤلفين (١١/ ٣١٧).
(٦) انظر: فتح القدير (٩/ ٢٩٨).
(٧) في (ع) (الثالث).
(٨) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٩٨)، فتح القدير (٩/ ٢٩٨).
(٩) في (ع) (اليد) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٩٨).
(١٠) انظر: الأسرار للدبوسي (١/ ٤٤٥).
(١١) وتعليله- رحمه الله-: أن المُصحِّحَ هو اليد.