للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب الوكالة بالخصومة والقبض]

لما كانت الوكالة بالخصومة من المهجور الشرعي حتى عدلت عن حقيقتها إلى مطلق الجواب لقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} (١) تأخر ذكرها عما هو مطلق شرعًا ومقر على حقيقته فعلاً وهو أحكام الوكالات التي لا هجران فيها.

(الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ) (٢) أطلق فِي الرواية ليتناول التوكيل بالخصومة العين والدين جميعًا فإنه ذكر الإمام الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله- الوكيل بالخصومة فِي الدين والعين جميعًا وكيل بالقبض عند علمائنا الثلاثة (٣) (٤).

[هل الوكيل بالخصومة وكيلاً بالقبض]

(هُوَ يَقُولُ: (٥) أَنَّهُ رَضِيَ بِخُصُومَتِهِ وَالْقَبْضُ غَيْرُ الْخُصُومَةِ) (٦)؛ لِأَنَّ الخصومة لإظهار الحق والقبض ليس من الخصومة (٧) فيختار فِي الخصومة فِي العادة ألح الناس وللقبض آمن الناس فمن يصلح/ للخصومة لا يرضى بأمانته عادة، ولكنا نقول الوكيل بالشيء مأمور بإتمام ذلك الشيء (وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ) (٨)؛ لِأَنَّ الخصومة قائمة ما لم يقبض وذلك؛ لِأَنَّهُ ما لم يقبض يتوّهم عليه الإنكار بعد ذلك والمطلُ ويحتاج إلى المرافقة بإثبات الخصومة فلما وكَّله بفصلها والفصل بالقبض دخل تحته [ضمنًا] (٩)؛ ولِأَنَّ المقصود بالخصومة الوصول إلى الحق وذلك بالقبض يكون والوكيل بالشيء يملك تحصيل ما هو المقصود به كذا فِي المَبْسُوط (١٠) والْأَسْرَار.

(وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ -رحمه الله-) (١١) (١٢) وروى أبو بكر البَلْخي (١٣) أن مُحَمَّد [بن] (١٤) سلمة (١٥) وغيره من مشايخ بَلْخ (١٦) أفتوا بقول زُفَر -رحمه الله- بأن التوكيل بالقبض غير ثابت نصًّا ودلالة، أمّا نصًّا فظاهر وكذلك دلالة لِأَنَّ الإنسان [قد يوكل غيره بالخصومة والتقاضي ولا يرضى بأمانته وقبضه (١٧) وبه أفتى أيضاً] (١٨) الصدر الشهيد حسام الدين -رحمه الله- (١٩) كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله-.


(١) سورة الأنفال من الآية: (٤٦).
(٢) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦٣).
(٣) المقصود بالعلماء الثلاثة: (أَبِي حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُف، ومُحَمَّد)، خلافاً لزفر. يُنْظَر: اللباب شرح الكتاب (٣/ ٣٧٢).
(٤) يُنْظَر: الجامع الصغير مع شرحه لمُحَمَّد بن الحسن (٤/ ٥٤١)، المبسوط؛ للسرخسي (١٢/ ٢٠٤).
(٥) المقصود به زُفَر -رحمه الله-. يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٩).
(٦) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٧) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٦/ ٢٤)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٢٧٨)
(٨) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٩).
(٩) [ساقط] من (ج).
(١٠) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ١٩).
(١١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٩).
(١٢) وإلى هذا القول ذهب متأخري الحنفية، ومشايخ بَلْخ. يُنْظَر: اللباب شرح الكتاب؛ للغنيمي (٣/ ٣٧٢).
(١٣) مُحَمَّد بن شجاع أبو عبدالله البغدادي الحنفِي، ويعرف بابن الثلجي، سمع من ابن علية، ووكيع، وكان من بحور العلم، وكان صاحب تعبد وتهجد، ومات وهو ساجد، له كتاب المناسك، قال الذهبي: كان يقف فِي القران، وينال من الكبار (ت ٢٦٦ هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (١٢/ ٣٧٩)، شذرات الذهب (٢/ ١٥١).
(١٤) [ساقط] من (أ) و (ب).
(١٥) مُحَمَّد بن سلمة، الإمام المفتي، أبو عبد الله، الحراني، روى عنه الإمام أحمد، قال ابن سعد: كان ثقة فاضلا له رواية وفتوى، روى له مسلم والأربعة، (ت ١٩٢ هـ). يُنْظَر: الثقات (٩/ ٥١)، الوافِي بالوفيات (٣/ ١٠٢).
(١٦) بَلْخ: مدينة مشهوره بخراسان ولاية بلخ شمال أفغانستان و عاصمتها مزار شريف. معجم البلدان (١/ ٤٧٩).
(١٧) وهو المعتمد عند المتأخرين قول زُفَر، وعللوه بسبب قلة الأمانة وفساد الذمم. يُنْظَر: المحيط البرهاني (١٠/ ٧٨٧).
(١٨) [ساقط] من (ج).
(١٩) عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة أبو مُحَمَّد برهان الأئمة حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد، من تصانيفه: الفتاوى الكبرى والصغرى، الجامع الصغير، الواقعات الحسامية، استشهد فِي سنة (٥٣٦ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ٦٤٩)، تاج التراجم (٢١٧)، سير أعلام النبلاء (٢٠/ ٩٧).