للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[البناء على نفس الساجة]]

(ثم قال الكرخي، والفقيه أبو جعفر (١) - رحمهما الله-: إنما لا ينقض إذا بنى في حوالي الساجة) (بأن أدخل الساجة في بنائه وبنى حولها لا عليها- وقيل: صورة هذا أن يُجعل الساجة عمارًا لجداره (أما إذا بنى على نفس الساجة ينقض) لأنه إذا لم يكن البناء عليها (٢) - (لا يكون متعديا بالبناء في ملكه.

وأما إذا بنى على الساجة يعني: (شيخ زيد بن كند) فهو مُتعدٍّ في هذا البناء، والساجة من وجه كالأصل لهذا البناء فيُهدم للرد، كما في مسألة الساجة؛ ولكن هذا ضعيف؛ فقد ذكر محمد- رحمه الله- في كتاب الصرف (٣): أنه لو غصب بقرة، واتخذ منها عُرْوَةً مُزَادَةً (٤) انقطع حق المالك عنها، وهو في هذا العمل ههنا متعد؛ لأن عمله في ملك الغير، فدل أنه لا فرق بين أن يكون عمله في ملك الغير، أو في ملك نفسه، وإنَّ الصحيح ما قلنا). كذا في «المبسوط» (٥).

[[تخيير المالك في الشاة المذبوحة]]

(وجواب الكتاب (٦) يرُد ذلك) وهو قوله: (ومن غصب ساجة فبنى عليها زال ملك مالكها عنها) (وإن شاء (٧) ضمَّنَه نقصانها) يعني: أَخَذَ المالك الشاة المذبوحة، وضمَّن الغاصب النقصان الثابت بالذبح، فإنه انتقض منها ما هو المطلوب من الدَّر (٨) والنَّسل (٩)، والأسمان (١٠) الجَزْفة (١١)، وما أُعد للجَزْر (١٢) وهو القطع، والمراد الذبح من الإبل يقع على الذكر والأنثى وهي تؤنث والجمع الْجَزْر (١٣)، وإنما ذكر الجزور بقوله (وكذا الجزور) بعدما ذكر الحكم في الشاة من الاختيار بين تضمين القيمة وبين تضمين النقصان؛ لدفع شُبهة تَرد على اختيار تضمين النقصان بأن يقال: والنقصان بالذبح في الشاة إنما كان بسبب تفويت صلاحيتها للدَّر والنَّسل، والجزور هي التي أُعدت للذبح، فكم يكن الدر والنسل مطلوبين منها، فينبغي ألا يضمن الغاصب النقصان، بل استحق الغاصب أَجْر المِثل من جِزَارَتِهِ على المالك؛ لأنه حقق مقصوده فيها، فكان زيادة منها لا نقصانًا كما إذا غصب ثوبًا فصبغه أحمر، حيث يضمن المالك للغاصب ما زاد الصبغ إذا اختار أخذ الثوب، لكون صبغ الحمرة زيادة في الثوب (١٤)، فدفع تلك الشُبهة بقوله (وكذا الجزور)؛ وذلك لأن نفس إزالة الحياة عن الحيوان نقصان، فكان للمالك الاختيار؛ لأنه يَحتمل أن يكون للمالك مقصود فيها سوى الدر والنسل من الأسمان، وتبقيتها إلى زمان ليُحَصِّلَ مقاصده (١٥) منها (١٦).


(١) هو: محمد بن عبدالله بن محمد بن عمر، أبو جعفر، الفقيه البلخي الْهِنْدُوَانِيِّ، إمام كبير من أهل بلخ، والهِنْدُواني بكسر الهاء وضم الدال المهملة نسبة إلى باب هندوان محلة ببلخ، قال السمعاني: كان يقال له أبو حنيفة الصغير لفقهه، أفتى بالمشكلات، وشرح المعضلات، وكشف الغوامض، توفي ببخارى ٣٦٢ هـ. انظر: تاريخ الإسلام (٨/ ٢٠٨)، الجواهر المضية (٢/ ٦٨)، تاج التراجم (ص: ٢٦٤)، الفوائد البهية (١/ ١٧٩)،.
(٢) في (أ): زيادة (لا يكون متعديًا بالبناء عليها).
(٣) انظر: شرح السير الكبير (ص: ١١٨٠)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢١٤)، حاشية ابن عابدين (٦/ ١٩٣).
(٤) الْمَزَادَةِ: هِيَ الظَّرْفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ كَالرَّاوِيَةِ وَالْقِرْبَةِ، وَ (الْمِزْوَدُ): مَا يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ. انظر: لسان العرب (٣/ ١٩٩)، الصحاح مادة (ز و د) (٢/ ٤٨١).
(٥) للسرخسي (١١/ ٩٤).
(٦) مختصر القدوري (ص: ١٣٠).
(٧) سقطت في (ع).
(٨) الدَّرُّ: اللَّبَنُ. الصحاح مادة (د ر ر) (٢/ ٦٥٥).
(٩) النَّسْلُ: الْوَلَدُ. (وَتَنَاسَلُوا) أَيْ: وَلَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. الصحاح مادة (ن س ل) (٥/ ١٨٢٩).
(١٠) السَّمْنُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ الزُّبْدِ وَهُوَ يَكُونُ لِأَلْبَانِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. المغرب مادة (س م ن) (ص: ٢٣٦).
(١١) في (ع): (الجزور). والجَزْفُ: الأَخذُ بِالْكَثْرَةِ. لسان العرب مادة (ج ز ف) (٩/ ٢٧).
(١٢) في (ع): (للمجزور) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ٢١٦).
(١٣) انظر: الصحاح (٢/ ٦١٢)، المغرب (ص: ٨١)، مختار الصحاح (ص: ٥٧).
(١٤) انظر: المبسوط للشيباني (١٢/ ١٣٤)، تحفة الفقهاء (٣/ ٩٤)، فتح القدير (٩/ ٣٤٠).
(١٥) في نسخة (أ) و (ع) زيادة (له) وأسقطتها لسياق الكلام. انظر: فتح القدير (٩/ ٣٤٠).
(١٦) انظر: فتح القدير (٩/ ٣٤٠).