للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلتَ: كيف يتمسك أصحابنا بهذا الحديث ومذهبنا على خلاف حكم هذا الحديث في محرم يموت في إحرامه حيث يُصنع به ما يُصنع بالحلال من تغطية رأسه ووجهه بالكفن عندنا خلافًا للشافعي (١)، وهو يتمسك هناك بهذا الحديث.

قلتُ: في الحديث دليل على أن للإحرام تأثيرًا في ترك تغطية الرأسِ والوجهِ، فإنه -صلى الله عليه وسلم- علل لترك التغطية بأنه يبعث ملبياً، أي: محرمًا، ثُمَّ الحجّة لنا في تغطية رأس المحرم ووجهه إذا مات،

[منع خمر الوجه والرأس]

ما روى عطاء (٢) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن/ محرم مات؟ فقال: «خمروا رَأسَهُ ووجههُ، ولا تُشَبِهوه باليهودِ» (٣)، وسُئلتْ عائشةُ رضي الله عنها في ذلك فقالت: «اصْنَعُوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ» (٤)، ولأنه انقطع بموته قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مَاتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملهُ إلا مِنْ ثَلاثة» (٥)، والإحرام ليست منها فينقطع بالموت.


(١) استدل الحنفية بهذا الحديث على حرمة تغطية الوجه على المحرم الحي المفهوم من التعليل، ولم يعملوا بمنطوقه في حق المحرم الميت، فإن حكمه عند الحنفية كسائر الأموات في تغطية الوجه والرأس، كذا لايجوز تغطية الوجه عند مالك، والرواية الثانية عند أحمد، أما عند الشافعي، وأحد الروايتين عن أحمد: أن تغطية الوجه جائز للمحرم. انظر: فتح القدير (٢/ ٤٤١)، العناية (٢/ ٤٤١)، البناية (٣/ ٤٨٠)، بداية المجتهد (١/ ٣٢٧)، المجموع (٧/ ٢٣٧)، الشرح الكبير (٨/ ٢٤٣).
(٢) عطاء بن أبى رباح القرشي، مولى أبى خثيم الفهري، واسم أبى رباح أسلم، كنيته أبو محمد مولده بالجند من اليمن، ونشأ بمكة وكان أسود أعور أشل أعرج، ثُمَّ عمى في آخر عمره، وكان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا لم يكن له فراش إلا المسجد الحرام إلى أن مات سنة أربع عشرة ومائة، وقد قيل: إنه مات سنة خمس عشرة ومائة وكان مولده سنة سبع وعشرين.
انظر: (ثقات ابن حبان: ٥/ ١٩٨)، و (التاريخ الكبير: ٦/ ٤٦٣)، و (الجرح والتعديل: ٦/ ٣٣٠).
(٣) أخرجه الدارقطني في "سننه" باب: [المواقيت] (٣/ ٣٦٨) برقم: [٢٧٧٢] بلفظ: خَمِّرُوهُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»، و (٣/ ٣٦٨) باب: [المواقيت] بلفظ: ««خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» وقال: الزيلعي عن ابن القطان أن فيه علة. انظر: سنن الدار قطني.
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى (٣/ ٣٩٤). مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ"، قال الحافظ في التلخيص الحبير (٢/ ٥٧٤) وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْن جُرَيْجٍ مُرْسَلًا وَتَابَعَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ حَفْصًا فِي وَصْلِهِ إلَّا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ كَثِيرُ الْغَلَطِ.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢/ ٤٥٩) برقم: [١١٠١٤].
(٥) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب الوصية (٢٥)، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (٣) حديث رقم (١٤/ ١٦٣١) بلفظ "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث .. " وأخرجه الترمذي في "سننه" باب: [فِي الوَقْفِ] (٣/ ٦٥٢) برقم: [١٣٧٦]، وأخرجه النسائي في "سننه" باب: [فَضْلُ الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَيِّتِ] (٦/ ٢٥١) برقم: [٣٦٥٠]، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (١/ ٧١) برقم: [٢٠٣].