للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[باب الشهيد]

لما كان المقتول ميتًا بأجله لاق إيراد باب الشهيد عقيب باب الجنائز (١)، وقدّم باب الجنائز عليه؛ إما لشدّة مساس الحاجة إلى معرفته؛ لكثرة وقوعه بخلاف الشهيد، أو لأن الميت غير الشهيد يجري مجرى المفرد (٢)، والشهيد يجري مجرى المركب؛ لكونه ميّتًا مكيّفًا، والمركب بعد المفرد (٣)، وقال شيخ الإسلام في خلال مسائل باب الشهيد من «المبسوط» (٤): اختلف الناس لماذا سمّي الشهيد شهيدًا قال بعضهم: لأن الملائكة يشهدون موته، فكان مشهودًا، فكان فعيلًا بمعنى مفعول كالقتيل، وقال بعضهم: إنّما سمّي شهيدًا؛ لأنه مشهود له بالجنّة؛ لأنه صير لنصرة دين الله حتّى، قيل: قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} (٥) الآية (٦).

ولأنّه يدّل عليه ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنّه كان يجمع بين الرجلين يوم أُحُد في قبر واحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» (٧)، وقيل: سمّي به؛ لأنه حي عند الله حاضر عند الله، ثم يحتاج هاهنا إلى معرفة الشهيد، فيقول: الشهيد الكامل عند أبي حنيفة -رحمه الله- اسم لكل مسلم مكلّف طاهر قتل ظلمًا بأي آلة كانت في قتال ثلاث طوائف: أهل الحرب، والبغي، وقطّاع [الطريق] (٨)، وبآلة جارحة في غيره، ولم يجب بقتله مال حالة القتل سوى وجوبه لشبهة الأبوّة، ولم يمض عليه وقت صلاة كامل يعد تصرّم القتال، ولا يوم أو ليلة حال القتال، ولا ينتفع بحياته شيء، ثم أنهما يوافقانه في هذه القيود إلا في قيد التكليف، والطهارة، والآلة الجارحة، وإنما قيّدنا بالكامل؛ لأن المرتث (٩) شهيد لكنّه/ ليس بكامل في الشهادة (١٠)، فإن شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- ذكر في «المبسوط» (١١): أن عمر - رضي الله عنه - لما طعن حُمل إلى بيته فعاش يومين غسِّل، وكان شهيدًا على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١٢)، وكذلك علي - رضي الله عنه - حُمل حيًّا بعدما طعن، ثم غُسِّل، وكان شهيدًا (١٣) فعرفنا أنّ الشهيد الذي لا يغسّل من أجهز عليه في مصرعه دون من حُمل حيًّا ليمرَّض.


(١) في (ب): " الجنازة ".
(٢) في (ب): " الفرد ".
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٤٢.
(٤) ينظر: المرجع السابق.
(٥) سورة آل عمران من الآية: (١٦٩).
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٤٢.
(٧) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٩١)، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، رقم (١٣٤٣)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(٨) [ساقط] من (ب).
(٩) ارتث: المرتث: الصريع الذي يثخن في الحرب. والارتثاث. أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح، فإن كان قتيلاً فليس بمرتث. ينظر: تاج العروس ٥/ ٢٥٨، لسان العرب: ٢/ ١٥١.
(١٠) ينظر: شرح فتح القدير: ٢/ ١٤٣.
(١١) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٩١.
(١٢) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١/ ١٥٠ - ٥٨١)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(١٣) ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط: ٢/ ٩١.