للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعلم أن معرفة مسائل الحيض من أعظم الواجبات؛ لأن عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها، وذلك لأن المرأة إذا لم تعلم ذلك ربما تترك الصلاة والصوم في وقت الوجوب، وتأتي بهما في وقت وجوب الترك، وكلاهما أمر حرام وضرر عظيم، ولأن ضرر هذا الجهل يختص ويتعدى بخلاف الجهل فيما سواه، أما المختص فهو ما ذكرنا، وأما المتعدي فهو غشيان الرجل في حالة الحيض وذلك [أمر] (١) حرام بالنص، والاعتقاد بحله كفر. قال النبي -عليه السلام-: «مَنْ أتَى امْرَأتَهُ الحائِضَ فَقَدْ كَفَرَ بمَا أنْزل عَلَى محمَّد» (٢). أي: مستحلاً.

وحكي أن هارون الرشيد (٣) تزوج من بنات الأشراف ولها جهاز عظيم ما لا يعد ولا يحصى، فلما زفت إليه ودخل هو معها في الفراش وهم بها دميت في تلك الحال فقالت: يا أمير المؤمنين {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: ١]. فقال الخليفة: والله ما سمعت منك خيرٌ من الدنيا وما فيها (٤).

[معنى الحيض لغة]

ثم الكلام ها هنا في عشرة مواضع: في تفسير الحيض لغةً، وفي تفسيره شريعةً، وسببه، وركنه، وشرطه، وقدره، وألوانه، وأوانه، ووقت ثبوته، والأحكام المتعلقة به.

أما تفسيره لغةً فهو عبارة عن الدم الخارج، ومنه يقال: حاضت السمرة حيضًا وهي شجرة يسيل منها كالدم، ويقال: امرأة حائض وحائضة أيضًا عن الفراء وأنشد:


(١) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).
(٢) الحديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أتى حائضًا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-» أخرجه أبو داود في سننه (٤/ ٣٩٠)، والنسائي (١/ ٨٧)، والترمذي (١/ ٢٩)، وابن ماجة (١/ ٦٣٩)، والبيهقي في سننه (٧/ ١٩٨)، والدارمي في سننه (١/ ٢٥٩)، وأحمد في سننه (٢/ ٤٠٨، ٤٧٦) وصححه الألباني في إرواء الغليل (٧/ ٦٩).
(٣) هو: أمير المؤمنين الخليفة العباسي، هارون الرشيد بن محمد المهدي بن منصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية، ولد بالريّ سنة: (١٤٩ هـ)، ونشأ في دار الخلافة ببغداد، وكان يحج سنة ويعزو سنة، استمرت ولايته أكثر من ثلاث وعشرين سنة، (ت ١٩٣ هـ): انظر: تاريخ بغداد (٥/ ١٤)، البداية والنهاية (١٠/ ٢١٣)، الأعلام للزركلي (٨/ ٦١، ٦٢). ولم أقف على هذه القصة فيما اطلعت عليه من كتب التأريخ والسير.
(٤) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (١/ ١٩٩) باب الحيض.