للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

باب الإمامة (١)

[[حكم صلاة الجماعة]]

لما ذكر أَفْعَال الْإِمَام مِنْ بَيَان وُجُوبِ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَة (٢) وَمِنْ تَقْدِير الْقِرَاءَة بِمَا هُوَ سُنَّةُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَذَكَرَ أَفْعَالَ الْمُقْتَدِي (٣) مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ أَتْبَعَهُ بذكر صِفَةِ شَرْعِيَّةِ الْإِمَامَةِ بِأَنَّهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هِيَ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ فَذَكَرَ مَنْ يَصْلُحُ لَهَا وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ خَوَاصِّ الْإِمَامَةِ فقال (٤): الجماعة سنة مؤكدة (٥) أي: سنة قوية تشبه الواجب (٦) في القوة حتى استدل بمعاهدتها (٧) على وجود الإيمان بخلاف سائر المشروعات (٨)، حتى قال بعض الناس: بأن الصلاة بالجماعة فريضة إلا أن منهم من يقول: بأنها من فروض الكفاية حتى إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ومنهم من يقول: بأنها من فروض الأعيان حتى لو صلى وحده، وأمكنه الأداء بجماعة، فإنه لا يجوز (٩)، واحتجوا بما روي عن رسول الله عليه [السلام] (١٠) أنه قال: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) (١١)، وقد روي عن رسول الله عليه السلام أنه قال: «لقد هممت أن آمر رجلًا أن يصلي بالناس بالجماعة، ثم أعمد إلى قوم تخلفوا عن الصلاة فأحرق بيوتهم) (١٢)، ولو كان سنة ما استحق تاركه هذا الوعيد، ولعامة العلماء ظاهر (١٣) قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (١٤) أمر بإقامة الصلاة، ومن صلى وحده فقد أقام الصلاة فيجزئه عملًا بهذا الظاهر، والدليل على أن الجماعة سنة ما روي عن رسول الله عليه السلام أنه قال: (صلاة الرجل بجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة) (١٥)، وفي رواية: (بسبع وعشرين درجة» (١٦)، ولم يقل: صلاة الرجل وحده فاسدة، فالنبي عليه السلام اعتبر الجماعة للفضيلة لا للجواز دل أنها سنة إلا أنها مؤكدة؛ لأنها من شعائر الإسلام، ومن خصائص هذا الدين (١٧)، فإنها لم تكن مشروعة في دين من الأديان، وما كان من شعار الإسلام، فالسبيل فيه الإظهار (١٨).


(١) في (ب): تكرار لفظ الإمامة.
(٢) المُخافَتةُ: إِخْفاءُ الصَّوْتِ. وخافَتَ بِصَوْتِهِ: خَفَّضَه. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رُبَّمَا خَفَتَ النبيُّ، -صلى الله عليه وسلم-، بقراءَته، وَرُبَّمَا جَهَر ينظر: لسان العرب (٢/ ٣٠)
(٣) المقتدي: المقتدي في الصلاة: من تابع بصلاته غيره وجعله له إماما معجم لغة الفقهاء (١/ ٤٥٢)
(٤) أي: صاحب كتاب الهداية: برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني.
(٥) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ١٦).
(٦) تعريف الواجب: يُقَالُ: وَجَبَ الشَّيء يَجِبُ وُجُوبا، إِذَا ثَبَت ولَزِم. والوَاجب والفَرْض عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَواء، وهُو كُلُّ مَا يُعاقَب عَلَى تَرْكه، وفَرق بَيْنَهُما أَبُو حَنِيفة، فالفَرْض عِنده آكَدُ مِن الواجِب. يُنْظَر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ١٥٢ - ١٥٣)
(٧) في (ب): لمعاهدتها.
(٨) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٤٤، ٣٤٥.
(٩) ينظر: البناية شرح الهداية ٢/ ٣٢٤، الدر المختار ١/ ٤٥٧.
(١٠) سقط في الأصل.
(١١) رواه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب الصلاة/ باب مَا جَاءَ مِنَ التَّشْدِيدِ فِى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ/ ٤٩٤٢)، والدراقطني في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (كتاب الصلاة/ باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر/ ١٥٥٣)، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَامِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الْجَمَلِ، ضَعِيفٌ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيه بِهَذَا الْإِسْنَادِ، لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. يُنْظَر: نصب الراية (/ ٤/ ٤١٣).
(١٢) رواه البخاري في صحيحه (كتاب الجماعة والإمامة/ باب وجوب صلاة الجماعة/ ٦١٨). ومسلم في صحيحه (كتاب المساجد ومواضع الصلاة/ باب فضل صلاة الجماعة/ ٦٥١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٣) تعريف الظاهر: الظاهر لغة: الواضح والبين، واصطلاحاً: ما دل بنفسه على معنى راجح مع احتمال غيره. يُنْظَر: الأصول من علم الأصول (١/ ٤٩).
(١٤) سورة الأنعام الآية (٧٢).
(١٥) رواه البخاري في صحيحه (كتاب الجماعة والإمامة/ باب وجوب صلاة الجماعة/ ٦١٩)،، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(١٦) رواه البخاري في صحيحه (كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة/ ٦١٩)، ومسلم في صحيحه (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة/ ٦٥٠) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(١٧) الدين: هو الطريقة المخصوصة الثابتة من النبي صلى الله عليه وآله، يسمى من حيث الانقياد له دينا، ومن حيث إنه يملي ويبين الناس ملة. يُنْظَر: الفروق اللغوية (١/ ٥١٠)
(١٨) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٧١، وبدائع الصنائع: ١/ ٢٨٦.