للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[لا يحجر القاضي على التفاوت القليل الذي لا يعتبر عينا في التجارة]]

وأمّا ما ذَكر من مسائل العقود، بقوله: إنَّ من مَلَك التجارة بإذنٍ كالعبد المأذون، أو الوصي، أو الأب بملك الإجازة؛ فقد قلنا مرة: إن التفاوت القليل الذي لا يُعتبر عينًا في التجارة لا يحجر القاضي وغيره عن التجارة في مثله، والتفاوت الذي بين الجوهر والعرض لا يُعد عينًا في الأسواق (١).

[[الحيوان لا يثبت بدلا عن المنفعة]]

وأمّا قوله: والحيوان لا يثبت دينًا في الذمة بدلًا عن المنفعة كما لا يثبت دينًا في الذمة بدلًا عن المال؛ قلنا: عدم ثبوت الحيوان دينًا في الذمة بدلًا عن المنفعة، لا باعتبار أن للمنفعة حكم المال؛ بل لأن المنفعة هي المعقود في الإجارة، وهي غير مملوكة للمستأجر في الحال؛ لأنها معدومة، ثم (٢) لو صحّ الحيوان دينًا في الذمة أُجرة لصاحب (٣) الدار لم يبق المساواة بين العوضين، وهو بمعنى الربا فلم يجز كذلك، وقد ذكرناه في أوائل الإجارة (٤).

[المنافع لا تصلح مهرًا]

وأمّا قوله: والمنافع تصلح مهرًا، والمهر مال بالنصّ؛ قلنا: لا نسلّم أن تصلح المنافع مطلقًا للمهر؛ وذلك لأنّ عندنا إنما يصلح للمهر منفعة العبد، وهي الخدمة بأمر الولي واستخدامه بتضمن تسليم الرقبة، ورقبتُه مال (٥).

[[الخلاف في الخدمة وتعليم القرآن يكونا مهرا]]

(وأمّا لو تزوّج حرٌ امرأة (٦) على خدمته سنة أو على تعليم القرآن) فلا يصحّ ذلك مهرًا عندنا (٧) خلافًا للشافعي (٨) - رحمه الله- لِمَا أنّ المنفعة ليست بمال على ما ذكرناه في النكاح، وأمّا اعتياض المال عن المنفعة فصحيح شرعًا؛ لأنّ ضمان العقد أمر مشروع، وفي الشرع يُعتبر الوسع والإمكان؛ ولذلك يَجب الضمان هناك باعتبار التراضي، فاسدًا كان العقد أو جائزًا، فيسقط اعتبار التفاوت الذي ليس في وسعنا الاحتراز عنه في ضمان العقد، فأمّا الإتلاف فمحظور غير مشروع، وضمانه مُقيَّد بالمثل بالنص، فلا يجوز إيجاب الزيادة على قدر الْمُتْلَفِ بسبب (٩) الإتلاف.


(١) انظر: الأسرار للدبوسي (٣/ ١١٣ - ١٢٠).
(٢) سقطت في (أ).
(٣) في (أ) (صاحبته).
(٤) انظر: تبيين الحقائق (٥/ ١٥٨).
(٥) انظر: فتح القدير (٩/ ١٧٩)، النهر الفائق (٢/ ٢٤٢).
(٦) في (أ): (حرائره).
(٧) انظر: المحيط البرهاني (٣/ ٨٥)، بدائع الصنائع (٢/ ٢٧٨)، الاختيار (٣/ ١٠٥).
(٨) انظر: الأم للشافعي (٥/ ٦٤)، الحاوي الكبير (٩/ ٤٠٣)، تحفة المحتاج وحاشية الشرواني (٧/ ٤١٢)، نهاية المحتاج (٦/ ٣٦٢).
(٩) في (ع): (بسعة).