للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله (١): «من شك في صلاته فليتحرَّ الصواب» (٢) (٣).

[[الشك في عدد الركعات]]

التحري طلب أحرى الأمرين، وهو أولاهما تفعل منه، وقال الشافعي في هذا: في الأحوال كلها يبني على الأقل ولا يستقبل (٤)، وإن كان أول ما عرض له، أو تكرر، أو وقع تحريه على شيء احتجا بما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه (٥)، عن رسول الله عليه السلام أنه قال:/ «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا فليقِ (٦) الشك، وليبن على اليقين» (٧)، فقد أمر بالبناء على اليقين، ولم يفصّل، والمعنى: أن هذا سهو لو تكرر منه لم يوجب الاستقبال، فكذا إذا وجد أول مرة، ولأنا أجمعنا على أنه يأخذ باليقين في هذه المسألة على اختلاف الأصلين على أصل يبني على الأقل (٨)، وعلى مذهبكم يستأنف، والبناء على الأقل أولى؛ لأن فيه صيانة الصلاة عن القطع، وفي الاستقبال قطع للصلاة (٩)، والصلاة يصان (١٠) عن القطع ما أمكن، ولنا ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليستقبل» (١١) أمر بالاستقبال ولم يفصل (١٢)، والمعنى فيه: أنه قدر على إسقاط ما عليه من الفرض بيقين من غير مشقة يلحقه، فلزمه ذلك قياسًا على ما لو شك في أصل الصلاة أنه صلى أم لم يصل، وإنما قلنا: قدر على إسقاط ما عليه بيقين؛ لأنه متى استقبل الصلاة يتحقق إسقاط ما عليه يقينًا، ومتى بني على الأقل لا يصير خارجًا عما عليه بيقين؛ لأنا نفرض الكلام فيما إذا شك أنه صلى أربعًا أم خمسًا، أو كم صلَّى، لو قلنا: بأنه يأخذ الأقل لا يكون خروجًا عما عليه بيقين لجواز أنه صلى خمسًا، وقد ترك القعدة على رأس الرابعة، فالبناء على الأقل لا يخرجه عن الفرض بيقين، والاستئناف يخرجه عما عليه بيقين، وهو قادر على الاستئناف من غير مشقة تلحقه؛ لأنه لم يعتد هذا، فالظاهر أنه إذا استقبل لا يقع له هذا (١٣) الشك في المرة الثانية.


(١) في ب عليه السلام.
(٢) أخرجه البخاري في صحيه، كتاب: الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان (١/ ٨٨) رقم الحديث: ٤٠١، ومسلم في صحيحه، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (١/ ٣٩٨) رقم الحديث: ٥٧٢.
(٣) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥١٩.
(٤) انظر: الحاوي الكبير ٢/ ٢١٢، فتح العزيز ٤/ ١٦٧.
(٥) هو: سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد: صحابي، كان من ملازمي النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث كثيرة. غزا اثنتي عشرة غزوة، وله ١١٧٠ حديثًا. توفي في المدين.
(الإصابة في تمييز الصحابة: ٣/ ٧٨)، و (تهذيب التهذيب: ٣/ ٤١٦)، و (تهذيب الكمال: ١٠/ ٢٩٤).
(٦) في ب فليدع بدل من فليقِ.
(٧) رواه مسلم في صحيحه (٥٧١)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له. من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٨) في ب الأول بدل من الأقل.
(٩) في ب الصلاة بدل من للصلاة.
(١٠) في ب تصان بدل من يصان.
(١١) ذكره ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (١/ ٢٠٨).
(١٢) انظر: بدائع الصنائع: ١/ ١٦٥.
(١٣) في ب ذلك بدل من له هذا.