للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[عدم جواز الحجر على الحر العاقل]]

(وديونه متعلقة برقبته يباع للغرماء) أي: يبيعه القاضي بدينهم (١)؛ فإن قلتَ: كيف هذا الإطلاق على قول أبي حنيفة (٢) - رحمه الله- فإن على أصله: أن الحر العاقل لا يحجر عليه بسبب الدين حتى لا (٣) يبيع القاضي ماله بدون رضاه بسبب الدين، فإن ذلك حجرٌ عليه، ولم يُقيِّد في الكتاب بأنَّ القاضي يأمر الموْلَى ببيع عبده لدين الغرماء عليه، وقيَّدوا ههنا في حواشي الكتاب المقروء على الأساتذة (٤) بأن معنى قوله: (يُباع للغرماء) أي: يُجبِر القاضي الموْلَى على البيع هل لهذا القيْد وجه صحَّة أم لا؟ قلتُ: ليس لهذا القيد وجه صحة أصلًا بل يبيع القاضي العبد ههنا بدون رضا الموْلَى بالاتفاق (٥)، وإنما تقع مثل هذه القيود للتساهل، وقلة المطالعة في/ كتب السلف أو للتقليد نصير من قَبْله من المتساهلين، ولو لم يكن كتابي هذا إلا لمعرفة بطلان مثل هذه القيود لكفى به مَغنمًا، وَعُدَّ لطرق الصواب مَعْلمًا.

[جواز بيع القاضي العبدَ دون رضا الموْلَى]

وذلك لأن هذه الرواية مذكورة في الفصل الرابع من مأذون «الذخيرة» (٦) فقال فيه: وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة فباع واشترى ولحقه ديون كثيرة فقدَّمه الغرماء إلى القاضي وطلبوا بيعه فإن القاضي ينظر في ذلك، فإن كان في يد العبد كسب حاضر يفي بديونه يقضي ديونه من كسبه، وإن لم يكن في يده مال حاضر إلا أن له مالًا غائبًا يُرجى قدومه، أو دين مال يُرجى خروجه، ولا يُعَجِّل القاضي في بيعه بل يتلوَّم (٧)، إلى أن قال: وإن انقضت مدة التلوم ولم يوجد المال فإن القاضي يبيع العبد بدينهم؛ لأن القاضي نُصِّب ناظرًا للمسلمين، وقد نَظَر للموْلَى حين تلوَّم، ولم يُعجِّل في بيعه، فيجب أن ينظر للغرماء بعد مُضي التلوم، فيبيع العبد بدينهم حتى يصلوا إلى حقهم فيحصل النظر للجانبين جميعًا.


(١) انظر: الاختيار (٢/ ١٠٢)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٩).
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٤/ ١٥٧)، المحيط البرهاني (٢/ ٣٤٧)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٩).
(٣) سقطت في (ع).
(٤) في (أ) زيادة (بلا تقيد من يعتمد عليه.)، وما أثبت هو الصحيح. انظر: درر الحكام (٢/ ٢٧٨).
(٥) انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ١٤٦)، درر الحكام (٢/ ٢٧٨)، فتح القدير (٩/ ٢٩٢). وقال الزيلعي: (بَيْعُ الْقَاضِي هَذَا الْعَبْدَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا غَيْرِ زُفَرَ) تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٩).
(٦) انظر: المبسوط للشيباني (٩/ ٥٨)، المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٤٨)، فتاوى قاض خان (٣/ ٥٨٦).
(٧) التَلوَّم: الِانْتِظَارُ وَالتَّمَكُّثُ. الصحاح مادة (ل و م) (٥/ ٢٠٣٤)، المغرب مادة (ل و م) (ص: ٤٣١)، قال ابن عابدين: (وَلَيْسَ لِمُدَّةِ التَّلَوُّمِ مِقْدَارٌ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي) حاشية ابن عابدين (٦/ ١٨٥).