للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: ثم ما ذكر من الجواب أن القاضي يبيع العبد لا يُشكل على قول أبي يوسف ومحمد (١) - رحمهما الله-؛ لأن الدين لو كان على الموْلَى وقد امتنع عن قضائه كان للقاضي- على قولهما- أن يبيع عليه ماله بغير رضاه ويقضي دينه، فإذا كان الدين على العبد أولى؛ لأن دين العبد متعلِّق بالعبد، ودين الحر لا يتعلق بماله ما لم يمرض مرض الموت، وإنما يُشكل هذا على قول أبي حنيفة-رحمه الله-؛ لأنَّ من أصله أن الحر إذا ركبته ديون، وأمره القاضي بإيفاء الديون ولم يُوفِّ وأراد أن يبيع عليه ماله بغير إذنه ليس له ذلك، بل يُجبَر على البيع وقضاء الدين بالحبس حتى يبيع بنفسه (٢).

والجواب عنه: أن أبا حنيفة- رحمه الله- إنما قال في الحر لا يبيع القاضي عليه ماله لِمَا فيه من الحجر عليه، فإنه كان يملك بيع مال نفسه، فإذا باع عليه القاضي بغير إذنه كان حجرًا عليه، وأبو حنيفة (٣) - رحمه الله- لا يرى (٤) الحجر على الحر المكلف، فأمَّا ليس في بيع المأذون على الموْلَى بغير رضاه حجر على الموْلَى؛ لأنَّ الموْلَى قبل ذلك محجور عن بيعه؛ فإنه لو باع العبد المديون بغير رضا الغرماء لا يَقْدر، وإذا كان محجورًا عن بيع العبد قبل بيع القاضي لم يكن بيع القاضي حجرًا مجازًا، فكان هذا بمنزلة التركة إذا كانت مستغرقة بالدين كان للقاضي أن يبيع التركة على الورثة إذا امتنعوا عن قضاء الدين من مالهم بغير رضاهم، ولم يُعَد ذلك حجرًا على الورثة؛ لأنهم كانوا محجورين عن بيع التركة قبل ذلك متى كانت مستغرقة بالدين بغير رضاء الغرماء، فكذا ههنا (٥).


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٤/ ١٦٤)، بدائع الصنائع (٧/ ١٧٤)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٩).
(٢) انظر: فتح القدير (٩/ ٣١٣)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٩).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٤/ ١٥٧)، المحيط البرهاني (٢/ ٣٤٧).
(٤) سقطت في (ع).
(٥) انظر: تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٩)، حاشية ابن عابدين (٥/ ٤١٦).