للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وكذا إذا باع الخمر بالثوب)

[[بيع الخمر بالثوب]]

أي: يكون البيع فاسداً لا باطلاً، وإن كان فيه شبهة كون الخمر مبيعاً؛ لدخول الباء في الثوب، ولكن قد ذكرنا أن المكيلات والموزونات إذا كانت مبيعة فهي مبيعة وثمن، والكلام فيما إذا كان الخمر والثوب متعينين، فلما كانت في الخمر جهة الثمنية رجحنا جانب الفساد على جانب البطلان؛ صوناً لتصرف العاقلين المسلمين عن الإلغاء والبطلان بقدر الإمكان؛ لكونه مقايضة، المقايضة هي بيع العرض بالعرض، وسمي بها لتساوي العرضين في العينية، يقال: هما قيضان، أي: متساويان، كذا وجدت بخط الإمام تاج الدين الزرنوجي (١) - رحمه الله.

[[تكملة البيوع الفاسدة]]

وبيع أم الولد، والمدبر والمكاتب فاسد (ومعناه: باطل (٢)

فإن قلت (٣): لو كان بيع هؤلاء باطلاً لكان بيع هؤلاء وبيع الحر سواء، من حيث إن بيع كل واحد منهما باطل، فحينئذ يجب أن يفسد البيع في القن إذا ضم مع هؤلاء في البيع، كما يفسد بيعه إذا ضم مع الحر، وليس كذلك، فإنه ذكر في المبسوط في باب البيوع الفاسدة (٤): "وإذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر ومكاتب، أو اشترى جاريتين فإذا أحدهما أم ولد جاء البيع في الآخر، سواء سمى لكل واحد منهما ثمناً أو لم يسم"، وكذا أيضاً ذكره هكذا في الكتاب فيما بعد، فما وجهه؟.

قلت: المراد من معنى البطلان في قوله: ومعناه باطل هو أن لا يملك هؤلاء عند اتصال القبض بهم، كما يملك المبيع عند اتصال القبض به في سائر البياعات الفاسدة، من نحو ما باع عبداً على أن يعتقه المشتري أو يدبره، وكالبيع إلى النيروز والمهرجان (٥) على ما يجيء، وكبيع الثوب بالخمر على ما مر، وأما هؤلاء -وهم أم الولد والمكاتب والمدبر - فلا يملكون ببيعهم، وإن اتصل القبض بهم، فكان هؤلاء والحر سواءً من هذا الوجه، فصح قوله: ومعناه باطل؛ إذ لو اقتصر على قوله: وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد، لتوهم أنهم يملكون عند اتصال القبض بهم، والحكم بخلافه. وأما صحة بيع المضموم إليهم من القن في البيع فلكون هؤلاء محل البيع في الجملة على ما يجيء، فكان القن داخلاً في البيع لدخول هؤلاء في البيع؛ لاعتبار الصلاحية في الجملة، ثم يخرجون من حكم البيع بعد الدخول لاستحقاقهم نوع الحرية، فيبقى القن في البيع بحصته من الثمن، فالبيع بالحصة بقاء جائز، وإن لم يكثر ابتداءً على ما يجيء.


(١) سبقت ترجمته ص ٢٨.
(٢) قال أبو الليث السمرقندي في فتاوى النوازل ص ٣٥٧: "لأنه ثبت استحقاقاً الحرية فيهم".
(٣) سقطتا من (ج).
(٤) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٤).
(٥) سيأتي معناهما في كلام المؤلف بعد ذلك.