للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال في الذخيرة (١) في الفصل الذي يتصل بالفصل الأول من كتاب البيوع: "وقال القدوري - رحمه الله -: ما يتعين بالعقد فهو مبيع، وما لا يتعين فهو ثمن، إلا أن يقع عليه لفظ البيع، ثم قال: الدراهم والدنانير أثمان أبداً؛ لأنها في الأصل خلفت ثمن الأشياء وقيمتها قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)} (٢). فسر الثمن بالدراهم" "وقال الفراء (٣): الثمن ما يكون في الذمة (٤) " (٥) "والدراهم والدنانير لا يتعينان على أصلنا في عقود المعاوضات، وإنما ينعقد على مثلها ديناً في الذمة، فجعلوا الدراهم والدنانير أثماناً لهذا، والأعيان التي ليست من ذوات الأمثال كغير المكيلات والموزونات مبيعة أبداً، والمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة فهي مبيعة وثمن، فإن قابلها بالدراهم والدنانير فهي مبيعة، وإن كان في مقابلتها عين، فإن كانت المكيلات والموزونات معينة فهي مبيعة وثمن؛ لأن البيع لابد له من بيع وثمن، وليس أحدهما بأن يجعل مبيعاً بأولى من الآخر؛ لأن المكيل والموزون يتعينان في البياعات كالعروض، فجعلنا كل واحد منهما مبيعاً من وجه، ثمناً من وجه، وإن كانت المكيلات والموزونات غير متعينة، فإن استعملت استعمال الأثمان فهي ثمن، نحو أن يقول: اشتريت هذا العبد بكذا كذا حنطة، ويصف ذلك، وإن استعملت استعمال المبيع كان مبيعاً، بأن قال: اشتريت منك كذا حنطة بهذا العبد، فلا يصح العقد إلا بطريق السَّلم.

وذكر شيخ الإسلام خواهرزادة - رحمه الله - في شرح شهادات الجامع أن المكيل والموزون إذا لم يكن معيناً (٦) فهو ثمن، دخل عليه حرف الباء أو لم يدخل؛ لأن المكيل والموزون من ذوات الأمثال حتى يضمن بالمثل في الإتلاف، فصار نظير الدراهم والدنانير، والدراهم والدنانير أثمان دخل عليها حرف الباء أو لم يدخل، فكذا المكيل والموزون، والفلوس بمنْزلة الدراهم والدنانير في أنها لا يتعين" (٧). وقوله:


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ٢٧٤).
(٢) [يوسف: ٢٠].
(٣) الحسين بن مسعود، أبو محمد البغوي الفراء، الملقب بمحيي السنة، الحافظ، صاحب كتاب شرح السنة والتفسير وكتاب المصابيح، وغير ذلك، وهو إمام من أئمة أهل النقل، حسن التصانيف، كان من كبار الفقهاء المجتهدين، صنف عدداً من الكتب، منها: «معالم التنْزيل» و «مشكل القرآن» و «مصابيح السنة» ثم «شرح السنة»، توفي في سنة ست عشرة وخمسمائة. التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد (ص: ٢٥١)، تاريخ إربل (٢/ ٨٧).
(٤) لم أجد هذا القول في تفسيره "معالم التنْزيل ".
(٥) ينظر: بدائع الصنائع (٥/ ٢٣٣).
(٦) "معيبا" في (ج).
(٧) المحيط البرهاني (٦/ ٢٧٤ - ٢٧٥).