للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يُشْتَرَطُ لتكبيرةِ الإحرامِ مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَهُوَ يَقُولُ (١): وَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ) (٢).

مِنَ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالنِّيَّةِ وَالْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ شُرِعَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ فَيَكُونُ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ، قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاءَةِ.

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا -رحمهم الله- (٣) بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (٤) نزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي التَّكْبِيرَةِ (٥)، فَقَدْ عَطَفَ (٦) الصَّلَاةَ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتِ التَّكْبِيرَةُ، رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ؛ كَانَتْ مِنَ الصَّلَاةِ، فَلَا يَسْتَقِيمُ عَطْفُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ، لَا عَلَى نَفْسِهِ، لَا يُقَالُ: زَيْدٌ وَزَيْدٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: زَيْدٌ وَعَمْرُو؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى؛ لَوْ كَانَتْ رُكْناً فِي الصَّلَاةِ، لَكَانَتْ تُكَرَّرُ فَرْضاً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوْ يَتَكَرَّرُ فِي الثَّانِيَةِ كَالْقِرَاءَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، عَلَى مَذْهَبِكُمْ، حَيْثُ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ فَرْضاً (٧) قُلْنَا لَمَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ رُكْناً؛ تَكَرَّرَتْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى أَصْلِكَ، وَالتَّكْبِيرُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَرْضاً فِي الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إِنَّمَا لَمْ تَتَكَرَّرِ الْقِرَاءَةُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَرْضاً عِنْدَنَا لِأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا رُكْناً فِي الصَّلَاةِ، لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ، وَإِنَّمَا هِيَ رُكْنٌ زَائِدٌ لِأَنَّهَا قَوْلٌ وَمَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ، دُونَ الْأَقْوَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْقَوْلِ، وَالْقَادِرُ عَلَى الْفِعْلِ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ لَا عَلَى الْعَكْسِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْقُطُ لِخَوْفِ فَوْتِ الرَّكْعَةِ، وَالْقِيَامُ لَا يَسْقُطُ، وَلَمَا انْحَطَّتْ دَرَجَتُهَا عَنْ دَرَجَةِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، قُلْنَا لِكَوْنِهَا رُكْناً تَكَرَّرَتْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَالْقِيَامِ وَغَيْرِهِ، وَلِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَمْ تَتَكَرَّرْ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ.


(١) يقصد الشافعي -رحمه الله-: انظر "الأم للشافعي" (١/ ١٣٣).
(٢) انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ٢٨٠) وفيه زيادة (وَهَذَا آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ).
(٣) ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ١١٤)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٢٩٢).
(٤) سورة الأعلى: (١٥).
(٥) قال الزمخشري في تفسيره: (وذكر اسم ربه فكبر تكبيرة الافتتاح. وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة لأن الصلاة معطوفة عليها، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل) "تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" (٤/ ٧٤٠).
(٦) في (ب): (عطفت).
(٧) في (ب): (قضاء).