للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

] وإنما قُيَّدَ بالخطِّة لِيقينٍ به ابتداَء الوضعِ في حقِّ المسلم أنهُ ماذا؟ وقال الإمامُ المحبوبي (١): فإنّ المسلمَ لما جعلها بستانًا صارتْ أرضًا ناميةً في أراضِي الإسلامِ، والأراضي الناميةُ لاتخلو عن مُؤنةٍ، وفي ابتداءِ وضعِ الخراجِ معنى الصِّغارِ، فيَصان المسلمُ عنه فأوجبَ عليها الْعُشْرِ؛ لأنها صدقةٌ والمسلم مِنْ أهِلها، ولأنهُ ذَكَرَ فيما تقَّدمَ أحكامَ ما اشتراه المسلمُ أو الكافرُ مِن الأراضي التي فيها المُؤنِ، وبَيّنَ ها هنا ما يبتدأُ به وضعُ المُؤنِ في حقِّ الفريقينِ، فقيّدَ لذلك بالخِطَة (٢): وهي ما خطَّهُ الإمامُ بالتمليكِ عِنَد فتحِ دارِ الحربِ وقد ذكرناه فيما تقّدم، فإنْ قلتَ: ذُكَرِ في الْكِتَابِ معناه إذا سقاه بماءِ الْعُشْرِ، وفيه دليلٌ على أنْ وَضْعَ الْعُشْرِ عليه باعتبار سقيْهِ الماء الْعُشْرِي لا باعتبار التوظيفِ على المسلمِ (٣).

قلتُ: نعم الاعتبارُ للماءِ في وَضْعَ الْعُشْرِ، لكنْ مع دِعايةِ جانبِ ابتداءِ التوظيفِ على المسلم ألا ترى أنّ المجوسيَّ لو جعلَ دَارَهُ بستانًا، وسقاها بماءِ الْعُشْرِ كان عليه الخراجُ، فلو كانَ الاعتبارُ للماءِ مجُردًا لما وجبَ عليه الخراجُ عنَد سقيهِ ماءِ الْعُشْرِ، بلْ وَجَبَ عليهِ الخراجُ في ظاهِر الروايةِ بالإجماعِ (٤) على ما يجيءُ، عَلِمَ أنهُ يعتبرُ ابتداءَ التوظيفِ على] المسلم (٥)، وُقيِّد بَقوله: (فجعلها بستانًا) (٦)، فإنه إذا لم يجعلْ دارَهُ بستانًا، ولكنْ فيها نخيلٌ يخرجُ إكرارًا مِن ثمرٍ فهي في حُكْمِ الدارِ حتى أنهُ لم يكنْ فيها عشرً، ولا خراجٌ، كذا ذكره الإمامُ السَّرَخْسِي -رحمه الله- في بابِ الْمَعَادِنِ منِ زكاة "المَبْسُوط" (٧)، وكذا ذكره الإمامُ المحبوبي.

[إذا جعل الأرض بستاناً]

وأما البستان: فهو عبارةٌ عن كُلِّ أرضٍ يحوطها حائط، وفيها نخيلٌ متفرقةٌ، وأشجارٌ، كذا ذُكِرَ في هذا الْكِتَابِ في بابِ الْعُشْرِ، والخراجِ من كتابِ السَيرِ (٨)، فحينئذٍ كان اسمُ الدارِ عنه مسلوبًا، فلذلك لا يبقى فيه ما هو حُكْمُ الدارِ مِن عفوِ المساكنِ، وهذهِ هي المسألةُ التي عَرَضْتُها على شَيْخِي -رحمه الله- وإثابةُ الجنةِ بهذه القيودِ في منامي بعد وفاتهِ، واستحسَنَ هو -رحمه الله- ما ذكرتهُ مِن القيودِ مترضيًا بشر طَلْقٍ، ولسان ذَلِقٍ.


(١) سقط في ب.
(٢) في (ب) سقطت (لذلك).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٥٥).
(٤) المَبْسُوط (٣/ ٩)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٥٥).
(٥) سقط في ب.
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١١).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٣).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٥٤، ٦/ ٣٨).