للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[متى يقبل قول الحربي]]

(ولَا يُصْدُّقُ الحربي إِلاَّ في الجواري يقولُ: هُنّ أُمهاتِ أولادي) (١)؛ وذلك لأنه إنْ قال: لم يحَلُ ْالحولُ على مالي، فالأخذُ منه ليسَ باعتبار الحولِ؛ لأنهُ لا يُمَكَّنُ مِنَ المقام في دارِنا حولًا، وإنْ قال: عليّ دَيْنٌ، فالدَّينُ يُمَكْنُ نقصانًا في المُلْكِ، ومُلْكُ الحربي ناقِصً، ولأنه إذا ادّعى الدَّيْنَ لا يُلتفَتُ إليه إذ لا عِبرةَ لديُونِ أهلِ الحرب، ألا ترى قاضيًا لا ينظرُ في خصومتهم فيما دَايَن بعضُهم بعضًا، ودَيْنُ أهلِ الذِّمةِ مُعتُبر محُكومٌ] به (٢)، فإنْ قالَ: المالُ بضاعةٌ فلا حُرمةَ لصاحبها، ولا أمانَ إنما الأمانُ للذي في يده المال (٣).

وأمَّا النسَبُ فيثبت في دار الحربِ (٤) كما يثبتٌ في دارِ الإسلامِ، وبه يخرجُ مِن أنْ يكونَ مالًا متقومًا، والأخُذ لا يكون إِلاَّ من المالِ الممرور به، وإنْ كانَ كاذبًا، فهذا إقرارٌ منه بحقِّ الجزيةِ فيصُحُّ، وإنْ قالَ: هم مُدْبرون لم يُلتفتْ إليه؛ لأنَّ التدبير منه لا يصحُ في دارِ الحرب (٥)، كذا في "الجامع] الصغير (٦) " للإمام الْمَحْبُوبِيّ، والإمام التُّمُرْتَاشِي، فانعدمتْ صفَةُ المالية هذا لا يَشْكُلُ على قولِ أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله-، وأما قولهُما (٧): فإنهما يبنيان الأمرَ على ديانتهم إنْ دانوا بذلك لا يُؤخذُ كما إذا مرَّ الحربيّ بجلدِ الميتةِ فهو على هذا التفصيل هكذا أمر عمر -رضي الله عنه- سَعاتَه (٨) (٩)، والمعنى فيه: أنُه إنما (يُؤْخُذ من المسلمِ رَبعُ الْعُشْرِ) (١٠) للحديثِ المعروف «هاتوا رُبَع عُشورِ أموالكم مِن كلَّ أربعين درهمًا درهمًا» (١١)، وإنما تثبت ولايةُ الأخذِ للعاشرِ لحاجته إلى الحِماية، وحَاجُة الذِّمِّي إلى الحَمايةِ أكثُر؛ لأنّ طَمَعَ اللصوصِ في أموالِ أهلِ الذمة أبينُ، فيأخذُ منه ضِعف ما يأخذ من المسلمِ كما في صدقات بني تغلب، ثُمَّ الحربي مِن الذِّمِّي بمنزلة الذِّمِّي من المسلم، ألا ترى أنَّ شهادةَ أهلِ الحربِ غيرُ مقبولةٍ على أهلِّ الذمة كما لا تُقبل شهادةُ الذِّمِّي على المسلم، وشهادةُ أهل الذمةِ على أهلِ الحربِ، ولهم بقوله كشهادةِ المسلم على الذمي.


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٢) سقطت في (ب).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٢٧).
(٤) دار الحرب: هي البلاد التي ليس للمسلمين عليها ولاية وسلطان، ولا تقام فيها أكثر شعائر الإسلام وهي بلاد المشركين الذين لاصلح بينهم وبين المسلمين، لسان العرب (١/ ٣٠٢)، معجم الفقهاء (١/ ١٧٨).
(٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٢٧).
(٦) سقطت في (ب).
(٧) هما أبو يوسف ومحمد. يُنْظَر: المذهب الحنفي لأحمد نقيب (٢/ ٣٢٤).
(٨) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٧٠٧٢ - ٤/ ٨٨).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (١٠/ ٣٧).
(١٠) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(١١) سبق تخريجه ص (٩٦).